التويتي
القانونية بتهمة المساس بهيبة القضاء ومكانته فسأفترض جدلاً أن السلطة القضائية لم
تعد تلك الراسخة في أذهان الكثير منذ عقود، وأني لست غائب تماماً عما يقوم به مجلس
القضاء الأعلى من إصلاحات ومتابعات ومعالجات اختلالات ومحاسبة وتأديب، وما يبذله
أعضاء السلطة القضائية من جهود في سبيل تحقيق العدالة.
ومع أنني لست حقوقياً أو منتمياً لأي منظمة مماثلة
إلا أنني كمواطن يمني يهمه أن يشعر أن الأجهزة القضائية في بلده أصبحت تتمتع
بالاستقلالية والنزاهة بما يمكنها من أداء دورها في حماية الحريات واحترام الحقوق
العامة والخاصة وتتعامل مع كافة القضايا باعتبار أن الناس سواسية أمام القانون وأن
لا صوت يعلو فوق كلمة القضاء العادل.
ومع ذلك فإن قضية نهب الأراضي في الحديدة
وتورط العديد من المتنفذين قد يضع سلطتنا القضائية على المحك لأن الخصوم هذه المرة
هم من يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم الآخرون فوق القانون.
فإلى جانب التهميش هناك من
المظالم في هذه المحافظة ما يشيب لها الأطفال في مهدهم، فالفقر والبؤس الذي يطال
غالبية سكان الحديدة بالإضافة إلى غياب التنمية والخدمات وانتشار البطالة وقلة
الحيلة وضيق ذات اليد كلها عوامل فتحت شهية الناهبين واللصوص وقطاع الطرق لينقضوا
على ما تبقى من حياة تنبض في هذه المحافظة الجميلة التي حولوها إلى مقابر لأهلها
بعد أن أضحوا فريسة للجهل والأمراض والشقاء، ينطبق عليهم وصف عبدالرحمن البيضاني
لحياة اليمنيين في عهد الأئمة عندما قال: "أحياؤها يحاولون الحياة كالديدان، يعيشون
في بيوت كأنها مقابر يحيون فيها أمواتاً، ينتظرون ساعة الحشر ولا يشعرون بلذة
الوجود".
وبالرغم من هذه الظروف المعيشية الاستثنائية، جاءهم أخيراً من ينزعهم
من تلك المقابر وفي وضح النهار وتحت التهديد والسلاح عنوة وقسراً في محاولة لقذفهم
إلى بطون الحيتان وعلى مرأى ومسمع من الدولة التي لازالت تقف بصمت مهين وكأن هذه
القضية تجري أحداثها بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، فقد عودتنا دوماً على
السير بطريقة النعامة حتى تتفاقم الأمور وتزداد المشكلات صعوبة وتعقيداً وعندما
تنفجر الأوضاع مخلفة "دار فور" جديدة في اليمن عندئذ ستعمل الحكومة بشكل جدي
بالتعاون مع المنظمات الإنسانية على إدراج هذه القضية ضمن أجندتها في المؤتمرات
الدولية في محاولة الإشراك العام في حلها.