;

مناهجنا تحت وطأة الاستعمار الغربي ..الحلقة الـ«36» 1153

2010-04-12 05:39:21

صفحه من
كتاب


تعاني التربية في بلاد العرب
والمسلمين من أزمة حادة على الرغم مما استنفذته من جهود طائلة وأرصدة هائلة، حيث أن
من مظاهر هذه الأزمة تحلل أجيالنا المعاصرة وضعفها في مجابهة ما تزخر به مجتمعاتنا
من فنون الإغراء وانسياقها وراء كل ما نبع في الغرب من مذاهب
وتيارات..

الاختراق عبر التربية
نسجل تقدماً هائلاً لمخطط اختراق واحتواء أمتنا يحتل فيه الجانب التربوي حيزاً
كبيراً فلقد انتقلت مناهج التربية مع وقوع العالم الإسلامي تحت وطأة الاستعمار
الغربي من مرحلة التعليم الإسلامي أي القائم على أسس الإسلام دين الأغلبية المسحوقة
إلى مرحلة التعليم المزدوج ومدارس إسلامية نشأت إلى جوارها مدراس حديثة أخذت
تزاحمها برعاية المستعمر وتضعفها وتعمل على تهشيمها وحصرها في مسائل دينية ولغوية
جدلية وفقهية وتراثية في وقت كان فيه المجتمع يتغرب الأمر ا لذي أفضى إلى عجز
التعليم الديني المدارسي وبدأ الانصراف عنها إلى الجهة الأخرى حتى علماء الدين
دفعوا أبناءهم إلى أحضان المدرسة الغربية وتركت المعاهد التقليدية لنفسها رغم
الجهود المضنية التي بذلها رجال الإصلاح الإسلامي (محمد عبده الطاهر بن عاشور، ابن
باديس هلال الفاسي..) وقد أصابوا حضاً من استيعاب العلوم المعاصرة في إطار العربية
لغة والإسلام ثقافة ولكن خانتهم السياسية إذا كان زمامها بإيدي غيرهم، فما أن استلم
السلطة خريجوا لمدارس التي نشأت تحت الاحتلال أو ضمن التمهيد له حتى بادروا إلى
إلغاء المعاهد الدينية حيث أمكن لهم ذلك بحجة توحيد التعليم كما ألغوا القضاء
الشرعي الذي أبقى له المستعمر على بعض الاختصاصات بحجة توحيد القضاء، ولكنه توحيد
لا على أرضية الإسلام وثقافته وإنما على أرضية التغريب.
أما حيث تعذر الاجهاز
على المؤسسة الدينية التعليمية فقد حوصرت حجماً ومضموناً وهمشت خريجوها وكثيراً ما
كان الإبقاء عليها بهدف استخدام خريجيها في الوظائف الدينية وللدفاع عن تدين الدولة
في وجة الطاعنين فيها وبسبب هزالة التكوين في هذه المعاهد كثيراً ما كان خريجو أداة
طيعه استعملت من طرف الدولة العلمانية في مواجهة المعارضة الإسلامية والعلمانية
معاً لقد انتقلت مناهج التعليم من مرحلة العلمانية القائمة على مرحلة العلمانية
السافرة والمقصود بالعلمانية هنا ليس الوقف المحايد من الدين وإنما الموقف المعادي
فهل هذا التطور يعكس تنامياً للتيارات العلمانية في المجتمعات العربية الإسلامية؟
بل العكس الصحيح.فهذا التطور لا يبرر نفسه ديمقراطياً أسس لفلسفة تعليم إسلامي ان
مناهج التربية لا تعمل في فراغ فلو كانت الحقيقة واحدة على اعتبار وحدة نواميس
الكون ووحدة العقل وكل ذلك مستمد من وحدة الخالق فإن مناهج النظر في الكون والإنسان
والحياة وما يضيفه الناس من رؤاهم الفلسفية والعلمية والجمالية وقيمهم وأعرافهم
وتجاربهم مع الحقيقة الموضوعية يصنع ثقافات مختلفة من هناك، كان اختلاف مناهج
التربية ومضامينها باختلاف تلك الفلسفات والأعراف والنماذج التربوية إذ "القضية
ليست قضية تعليم" لفنون ومهارات ومعارف مما يتفق مضمونه أو يكاد بين الشعوب
والثقافات اليوم وإنما القضية قضية إنسان ما نوع القيم والمعايير التي يحملها عن
الخير والشر والجمال والقبح والرقي والتخلف والحق والباطل ما هي نظرته إلى نفسه
وإلى الوجود والحياة من حوله؟ وما هي الشخصية الحضارية التي ينتمي إليها ؟ ما هو
النموذج الإنساني الذي يحمله؟ لقد كان التعليم وراء النهضة اليابانية والألمانية
رغم ما مرا به من دمار شامل ولكن التعليم في بلاد العرب كان سبباً للبطالة لأنه
ارتبط منذ نشأته بالوظيفة حتى أصبح التعليم عبئاً على الدولة بسبب التزامها بتشغيل
الخريجين ولحاجة الخريجين إلى الوظيفة لا لحاجة الوظائف إلى الخريجين لأنهم لم
يتعلموا من المدرسة ما يؤهلهم لغيرها وكانت النتيجة أن زاد عدد الموظفين وقل عدد
العاملين المنتجين.
التربية والعلاقات الثقافية إن التربية لا تنشأ في فراغ
وإنما في نسيج مقعد من العلاقات الثقافية والاقتصادية وان تجاهل ذلك النسيج وما
يقدمه من نموذج إنساني ومحاولة نقل نماذج جاهزة من أوساط ثقافية أخرى أثبتت جدواها
في تحقيق التقدم العلمي أو النمو الاقتصادي أو التفوق العسكري وهو ما فعلته مؤسسات
التربية عندنا طمعاً في أن تحقيق مدرستنا ما حقيقته تلك المناهج في البلاد الغربية
مثلاً من إخراج بلادنا من تخلفها والنتيجة ربما زاد التخلف تفاقماً فلا نحن حصلنا
على التقدم العلمي ولا الاقتصادي فنحن اليوم أكثر اعتماداً في حاجاتنا الضرورية
كالغذاء والدواء والدفاع على الأجانب من أسلافنا.
حتى في أسد عصورهم انحطاطاً
وأقل استقلالاً منهم بل أن مدرستنا عجزت حتى عن المحافظة على رصيد الموروث من
الأخلاق والدين والتماسك الأسري والاعتماد على الذات.
أنه لابد من أجل بناء
نموذج تربوي ناجح في أمة محددة من اعتماد أساس فلسفي متين مستمد من قيمها الأصلية
يكون مدخلها إلى العصر والحداثة والنافذة التي تطل منها على العالم نموذج يقدم
لأهله الرؤية الفلسفية المشتركة والموازين الخلفية والأذواق الجمالية والانتماء
الحضاري المشترك والاعتزاز به وغايات الحياة ومعايير السلوك ويعبئها لتحقيق ذاتها
وأهدافها العليا وللمشاركة في صنع الحضارة والمستقبل، وتتخلل كل نموذج تربوي منظومة
أفكار وقيم ومعايير أي دين سواء وقع التصريح بذلك أم أضمر ولذلك لم يخطئ أولئك
الذين طالبوا أن تكون الفلسفة الإنسانية العلمانية التي تبلورت في الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان الأساس الفلسفي لمناهجنا التربوية لم يخطئو إلا في شيئ واحد هو تعمد
الخلط والتوفيق بين المتضادات وتسويغ العلمانية وتسويقها إلى شعوبنا تحت غلاف هزيل
من الدين خادع الدين المحكوم بالعلمانية وليس الحاكم عليها.
بل وتسويقها إلى
الغالبية المسحوقة من طرق أقليات فاسدة أجنبية عنها في كل شيئ عدا اللون
.
الفلاسفة السياسيون ولكن مع ضرورة التنبيه إلى أن تلك المناهج العلمانية
المتنكرة في ثوب الإسلام لا تمثل منهجاً علمانياً أصيلاً لأن أصحابها ليسوا فلاسفة
متشيعين بقيم التحرر والعقلانية والديمقراطية التي جاء بها عصر التنوير بقدر ما هم
سياسيون يستخدمون الفلسفة الإنسانية كما يستخدمون المدرسة والإعلام والتشريع في
حربهم ضد خصومهم الحضاريين والسياسيين أصحاب البلاد الأصليين في محاولة مستميته
للمحافظة على امتيازاتهم المادية والمعنوية التي حصلوا عليها في غفلة من الشعب من
خلال قيامهم بدور الوكيل للمصالح الأجنبية..
فهم ليسوا إذن علمانيين أصلاً ولا
مسلمين مخلصين..
وإنما جماعات متسلطة باسم الحداثة ومحاربة الأصولية كما تسلط
الاستعماريون على شعوبنا باسم نقل الحضارة إلى المتخلفين ولا مخلص من هذا المأزق
إلا من خلال النضال ورفع الوصاية.
عن شعوبنا وتحريرها.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد