العودي
ذات الانتماءات السياسية أو الأصولية، كمن يبحث في موضوع البيضة والدجاجة كل يتمسك
برأي ويضع الدلائل والحجج والاسانيد التي يتكئ عليها ويرى أن رأيه هو الصواب وهو
الحل والعلاج الذي ما بعده رأي أو نفاذ بصر وبصيرة ويعود البعض إلى عصر النبي (ص)
وعهد الخلفاء الراشدين، ويتكئ على أحاديث بأسانيد صحيحة لا جدال فيها ويحاول أن يسقط تلك الأحوال على أحوال مجتمعنا
وعلى عصرنا ولا يكلف نفسه عناء البحث عن سيكولوجية رجال هذا الزمن، وسيكولوجية
الأقدمين في عصر صدر الإسلام من ناحية الخشية من الله ومن ناحية الالتزام بمبدأ
الخلق الديني الإنساني وأشياء كثيرة، وحسبهم خلقا وأخلاقاً وخشية وخشعة أنهم كانوا
على عهد قريب ومحاور لعهد النبي (ص) ومازالت تعاليم الدين طرية، وان الدنيا زهرة
ينبغي الحفاظ عليها وعدم خدش حياءها لتنال زهرة الآخرة.
ولذلك تعصب البعض لزواج
الصغيرات دون مراعاة لسن النضج وظروف النضج المناخية أو الأحوال البيئية المتعددة
لكل نشئة في الريف والحضر والعائلات الفقيرة، والعائلات الغنية ذات الترف والبذخ
وغيرها من أساليب الحياة المعيشية وما فيها من انعكاس على سلوكيات حياة الفتى
والفتاة، أو الطفل والطفلة في سن معينة من مرحلة المراهقة وما فيها من عواصف وعواطف
شتى وجنوح يجتاح العقل والبدن، وحالة عدم إدراك المسئولية أن يكون المراهق مسؤولا
على حياة شريك آخر إلى جانبه ومراعيا لكيانه الوجودي والوجداني.
الحقيقة أن كل
ما يبدو على المشهد الحياتي الحالي يبعثك على التعجب من صراع فكري ديني مسيس على
زواج الصغيرات، وترك حالة غلاء المهور، والتنافس المهول على تصاعد هذا الغلاء في
مساحة اللامبالاة، مع أن الكثير من أولئك الخائضين في هذه الدوامة أصحاب حال عال
العال وهيلمان ومال ولذلك لا باس بان تصبح الفتاة في نظرهم شيئا من متاع الدنيا ولو
كانت طفلة مازالت سياط الدونية والنقص، دون مراعاة لان تكون صالحة أو لان تكون
ناضجة وصالحة فعلا لان تكون زوجة وشريكاً فاعلاً عقلا وعملاً في حياة الرجل،
والرباط الإنساني المقدس هو الزواج المبني على دراية بمعناه وميناه، وليست طفلة تزف
على شيخ قد بلغ من العمر عتيا ومازال في قلبه وله على ناعمة صغيرة أو طفل طائش ابن
ذوات أو غيره على طفلة تنتهي حياتهم إلى الكراهية وانفصال وطلاق وعقد
مزمنة.
وختاما نقول للسادة أصحاب الجدل أن لدينا علم من ذكريات لنسوة تزوجن
صغيرات عبرن عن حالهن آنذاك إن انطواء النهار ومقدم الليل كان يعني لهنّ طي الموت
لحياتهن وأنفاسهن بمجرد شعورهن بأنهن سيصبحن قريبات وعلى سرير ممن سلبوهن طفولتهن
وأدخلوهن إلى عالم وحشي.
ولذلك لا ضرر من العودة الى مراجعة العقول والمفهوم
وعدم إسقاط رجال وشيوخ وشباب وأبناء وبنات وأطفال هذا العصر على عصر النبوة
والخلفاء الراشدين، فالحال اختلف والطبائع اختلفت وليكن التشريع وفق العصر فهل من
شيخ ذي لحية حاليا يملك نفسه على الصبر عن طفلة ذات تسع سنوات حتى تنضج وتصبح صالحة
للوطئ اشك في ذلك كما اشك بشيوخ ذوي مسابح وعمامات وغناء وثراء ورآءه ألف علامة
استفهام وتعجب؟! والجدل والعمل في كبح جماح لغلاء المهور هو عين الصواب وعلاج
الرذيلة وسبيل لإحلال الفضيلة.