صفحة من
كتاب
كتاب
أهم تحد يواجه
كل نظرية سياسية هو كيف يمكن منع الجور، كيف تصان الحريات العامة. . ذلك أن كل إنسان
يملك سلطة يميل إلى إساءة استعمالها حسب تأكيد "مونتسكيو" وأن المانع من الاستبداد
كثيراً ما كان العجز عن ممارسته فإنما العاجز لا يستعبد. . فكيف إذا كان يتصرف في
طاقات واسعة من الأموال والأعوان؟ هل يكون لاستبداده حد؟! أشرنا في الحلقة السابقة من هذا الكتاب إلى أن
التطرف ليس شيئاً آخر غير اعتقاد امتلاك الحق المطلق والسعي إلى فرضه بالقوة وهو
كامن في منهج التربية المتبع في هذه الحركات، يقدم الإسلام كتلة واحدة هي عبارة عن
لوائح قانونية دون تمييز بين مواطن الإجماع فيها وهي قليلة وبين مواطن الاختلاف
والاجتهاد وهي الأغلب.
يقدم فكر مؤسس الجماعة أو من تعتمده مصدراً وحيداً للحق
فتكون سلطته نافذة على العلماء السابقين واللاحقين بل حتى على الكتاب والسنة لا
تفسير لهما مقبولاً إلا ما ارتآه الشيخ. .
وهكذا يتولى هذا النوع من التنظيمات
تخريج أجيال مغلقة الفكر عاجزة عن الحوار مع محيطها ومع عامة المسلمين وخاصتهم بغير
التكفير والعنف وحتى المؤسسات الشوروية في مثل هذه التنظيمات لا تعدو كونها
إنعكاساً لواقع الاستبداد تجسده الدولة وسائر مؤسسات المجتمع بدءاً من العائلة إلى
المدرسة إلى النقابة والإدارة، والمؤسسات السياسية علمانية أو غير علمانية تعبر عن
طبيعة الاستبداد المركوزة في مواريثنا المتخلفة ودولنا القاهرة إلى درجة أن أحد
مفكري الحركة الإسلامية ممن عانى طويلاً تجربة الحركة والفكر والبحث في الوسط
الإسلامي لم يتردد وهو يسجل تجربته على التأكيد أن المجالس النيابية في البلاد
الديمقراطية أقرب مائة مرة إلى مفهوم الشورى من هذه المجالس التي تنتسب إلى الشورى
في هذه المجالس الزائفة، فلا مخلص من الإستبداد إلا بالقضاء على جذوره في المدرسة
وفي مناهج التعليم، في الأحزاب وسائر مؤسسات المجتمع إنطلاقاً من منهج تربوي يميز
بوضوح بين مواطن الحق الثابت ومواطن الاجتهاد والاختلاف ويحرر العقول من الأوهام
ويطلق طاقاتها للحوار والبحث ويفسح أمامها المجال للرتع من كل مناهل المدرسة
الإسلامية ذات الألوان المتعددة متدرجة منها إلى سائر مدارس الفكر قديمها وحديثها
دونما حجر على أية فكرة حتى تندرج أمتنا ضمن الذين أثنى عليهم القرآن فوصفهم
بقوله:"الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" فلا حجر على فكر في المجتمع الإسلامي،
وإذا كان الله واحداً فقد دعا إلى التعدد والكثرة وإذا كان القرآن والسنة المصدر
الأعلى للحق فما يفهمه البشر منهما ليس كذلك بل يرد عليه الخطأ ومن هنا كان
الاجتهاد وكانت الأمة في غياب كنيسة تنطق باسم الوحي هي الجهة الوحيدة، مصدر
الشرعية والناطقة باسم الحق.
وإذا كان الإنسان أشرف مخلوقات الله وكانت علوم
التربية هي المسؤولة عن تكوينه وتكوين الأمم، كانت صناعة التربية أشرف الصناعات
فالواجب أن تحظى بأعظم الاهتمام والتمويل من أجل التطوير المتواصل لها، لأن مصير
الإنسان والأمة والإنسانية في الدنيا والآخرة موقوف عليها وإذن فنحن في مجال هو
أبعد المجالات عن أن يدلِ فيه بالموقف النهائي وتبقى التربية والثقافة المؤصلتان
للحركة وكرامة الإنسان والرأي العام المشبع بهذه القيم، أرسخ الضمانات وأقواها
للحريات الخاصة والعامة وللتقدم الدائم.
مفهوم الاستبداد: تختلف المذاهب
السياسية في تفسير الاستبداد وفي تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض.
ففي
المذهبية الماركسية ليس الاستبداد إلا وجهاً من أوجه الصراع السياسي وكل صراع سياسي
إنما هو أثر من آثار العامل الاقتصادي، أي الصراع بين الطبقات من أجل السيطرة على
وسائل الإنتاج فالصراع الطبقي هو الأساس ، لكل ألوان الصراع الأخرى في المجتمع وسوف
يستمر الصراع الطبقي ومنه الصراع السياسي حتى تنتهي ظاهرة الصراع الطبقي بين من
يملك ومن لا يملك بوضع حدٍ نهائي للملكية الفردية لوسائل الإنتاج. .
فلا مجال إذن
لإيقاف هذا الصراع ولا فائدة فيه وإذا كنا جادين في إنهاء تاريخ الاستبداد وتقريب
عهد الحرية فعلينا أن نغذي هذا الصراع أكثر وليست الدولة إلا مؤسسة اصطنعتها الطبقة
المالكة للثروة من أجل استبقاء سيطرتها وقمع خصومها، فالاستبداد إذن هو نتيجة حتمية
للاستغلال وأداته الرئيسية فما من سبيل للقضاء عليه إلا بالقضاء على الاستغلال
وأداته الدولة ولكن لا يمكن أن تزول الدولة فجأة ولابد من المرور بمرحلة وسطى تتمكن
فيها الطبقة العاملة من السيطرة على هذا الجهاز وتوجيهه من أجل القضاء على
خصومها.
إن المشروعية والسيادة والحرية والثروة هي نظرياً في هذا النظام للشعب
أو على الأقل للحزب الوحيد الحاكم، أما الحاكم الفعلي في الواقع فهي النخبة
المتحكمة في قيادة الحزب والإدارة والجيش والحياة الاقتصادية وليس للشعب صاحب
السيادة إلا أن يقنع بحق الحياة.
الديمقراطية الغربية: الإنسان نزاع إلى الشر
كما أنه نزاع إلى الخير فمن الواجب اتخاذ التدابير من نزعة الشر الموجودة في النفس
البشرية ولو كان الناس ملائكة لما كانت هناك حاجة لقيام الحكومات.
ولكن ما
الضمان في أن لا تتجاوز الدولة مهمتها هذه فتتحول إلى سلطة طاغية مستبدة طالما
يديرها بشر يتصارع في نفوسهم الشر مع الخير، فما الضمان من أن لا يساء
استعمالها.
إن النظر في النظم السياسية الغربية المعاصرة التي تعمل في إطار من
المفهوم الليبرالي للدولة يستطيع من غير عناء أن يتبين لها جميعاً دعامتين أي
مبدأين أساسيين هما: مبدأ الشرعية ومبدأ لسيادة الأمة، والغربيون المعاصرون يرون
في هذين المبدأين الحل الواقعي من الاستبداد السياسي ومن ثم أمثل حل للمشكلة
السياسية كما يرون فيها ثمرة فلسفاتهم وثقافتهم الحديثة في مجال السياسة.
ولقد
تقدم بيان عجز مبدأي الشرعية والسيادة الشعبية وما تفرع عنهما من حريات عامة كحرية
الصحافة وتكوين الأحزاب ومن هيئات للرقابة ومن فصل للسلطات عن كبح جماح الفئات
القوية الضاغطة عن التحكم والإفساد وتسخير السلطة لإفراغ حملة الضمانات التي قدمتها
الديمقراطية من محتوياتها بسبب ما أضفاه مبدأ السيادة من قدسية على البرلمان وعلى
ما يصدر عنه بمعزل عن كل سلطان يعلوه، الأمر الذي أقام حواجز منيعة، بل تناقضاً
كبيراً بين الحياة السياسية من جهة والحياة الخلقية والدنية من جهة أخرى، فغدت
الممارسة السياسية تجري لا سند لها ولا غاية غير المنفعة واللذة فانفتح الباب
بمصراعيه أمام الشيطان ليصول ويجول ويفجر في الإنسان أحط ما فيه من نزوعات الظلم
والعدوان.
كيف نتجنب الظلم؟: فما هي ضمانات عدم الجور في التصور الإسلامي
للدولة؟ ليست الدولة في التصور الإسلامي سلاحاً في يد طبقة لتصفية طبقة أخرى أو فئة
معارضة ولا هي أداه لتحقيق مجد شعب أو عرق أو طائفة على حساب شعوب وأعراق
أخرى.
كل نظرية سياسية هو كيف يمكن منع الجور، كيف تصان الحريات العامة. . ذلك أن كل إنسان
يملك سلطة يميل إلى إساءة استعمالها حسب تأكيد "مونتسكيو" وأن المانع من الاستبداد
كثيراً ما كان العجز عن ممارسته فإنما العاجز لا يستعبد. . فكيف إذا كان يتصرف في
طاقات واسعة من الأموال والأعوان؟ هل يكون لاستبداده حد؟! أشرنا في الحلقة السابقة من هذا الكتاب إلى أن
التطرف ليس شيئاً آخر غير اعتقاد امتلاك الحق المطلق والسعي إلى فرضه بالقوة وهو
كامن في منهج التربية المتبع في هذه الحركات، يقدم الإسلام كتلة واحدة هي عبارة عن
لوائح قانونية دون تمييز بين مواطن الإجماع فيها وهي قليلة وبين مواطن الاختلاف
والاجتهاد وهي الأغلب.
يقدم فكر مؤسس الجماعة أو من تعتمده مصدراً وحيداً للحق
فتكون سلطته نافذة على العلماء السابقين واللاحقين بل حتى على الكتاب والسنة لا
تفسير لهما مقبولاً إلا ما ارتآه الشيخ. .
وهكذا يتولى هذا النوع من التنظيمات
تخريج أجيال مغلقة الفكر عاجزة عن الحوار مع محيطها ومع عامة المسلمين وخاصتهم بغير
التكفير والعنف وحتى المؤسسات الشوروية في مثل هذه التنظيمات لا تعدو كونها
إنعكاساً لواقع الاستبداد تجسده الدولة وسائر مؤسسات المجتمع بدءاً من العائلة إلى
المدرسة إلى النقابة والإدارة، والمؤسسات السياسية علمانية أو غير علمانية تعبر عن
طبيعة الاستبداد المركوزة في مواريثنا المتخلفة ودولنا القاهرة إلى درجة أن أحد
مفكري الحركة الإسلامية ممن عانى طويلاً تجربة الحركة والفكر والبحث في الوسط
الإسلامي لم يتردد وهو يسجل تجربته على التأكيد أن المجالس النيابية في البلاد
الديمقراطية أقرب مائة مرة إلى مفهوم الشورى من هذه المجالس التي تنتسب إلى الشورى
في هذه المجالس الزائفة، فلا مخلص من الإستبداد إلا بالقضاء على جذوره في المدرسة
وفي مناهج التعليم، في الأحزاب وسائر مؤسسات المجتمع إنطلاقاً من منهج تربوي يميز
بوضوح بين مواطن الحق الثابت ومواطن الاجتهاد والاختلاف ويحرر العقول من الأوهام
ويطلق طاقاتها للحوار والبحث ويفسح أمامها المجال للرتع من كل مناهل المدرسة
الإسلامية ذات الألوان المتعددة متدرجة منها إلى سائر مدارس الفكر قديمها وحديثها
دونما حجر على أية فكرة حتى تندرج أمتنا ضمن الذين أثنى عليهم القرآن فوصفهم
بقوله:"الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" فلا حجر على فكر في المجتمع الإسلامي،
وإذا كان الله واحداً فقد دعا إلى التعدد والكثرة وإذا كان القرآن والسنة المصدر
الأعلى للحق فما يفهمه البشر منهما ليس كذلك بل يرد عليه الخطأ ومن هنا كان
الاجتهاد وكانت الأمة في غياب كنيسة تنطق باسم الوحي هي الجهة الوحيدة، مصدر
الشرعية والناطقة باسم الحق.
وإذا كان الإنسان أشرف مخلوقات الله وكانت علوم
التربية هي المسؤولة عن تكوينه وتكوين الأمم، كانت صناعة التربية أشرف الصناعات
فالواجب أن تحظى بأعظم الاهتمام والتمويل من أجل التطوير المتواصل لها، لأن مصير
الإنسان والأمة والإنسانية في الدنيا والآخرة موقوف عليها وإذن فنحن في مجال هو
أبعد المجالات عن أن يدلِ فيه بالموقف النهائي وتبقى التربية والثقافة المؤصلتان
للحركة وكرامة الإنسان والرأي العام المشبع بهذه القيم، أرسخ الضمانات وأقواها
للحريات الخاصة والعامة وللتقدم الدائم.
مفهوم الاستبداد: تختلف المذاهب
السياسية في تفسير الاستبداد وفي تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض.
ففي
المذهبية الماركسية ليس الاستبداد إلا وجهاً من أوجه الصراع السياسي وكل صراع سياسي
إنما هو أثر من آثار العامل الاقتصادي، أي الصراع بين الطبقات من أجل السيطرة على
وسائل الإنتاج فالصراع الطبقي هو الأساس ، لكل ألوان الصراع الأخرى في المجتمع وسوف
يستمر الصراع الطبقي ومنه الصراع السياسي حتى تنتهي ظاهرة الصراع الطبقي بين من
يملك ومن لا يملك بوضع حدٍ نهائي للملكية الفردية لوسائل الإنتاج. .
فلا مجال إذن
لإيقاف هذا الصراع ولا فائدة فيه وإذا كنا جادين في إنهاء تاريخ الاستبداد وتقريب
عهد الحرية فعلينا أن نغذي هذا الصراع أكثر وليست الدولة إلا مؤسسة اصطنعتها الطبقة
المالكة للثروة من أجل استبقاء سيطرتها وقمع خصومها، فالاستبداد إذن هو نتيجة حتمية
للاستغلال وأداته الرئيسية فما من سبيل للقضاء عليه إلا بالقضاء على الاستغلال
وأداته الدولة ولكن لا يمكن أن تزول الدولة فجأة ولابد من المرور بمرحلة وسطى تتمكن
فيها الطبقة العاملة من السيطرة على هذا الجهاز وتوجيهه من أجل القضاء على
خصومها.
إن المشروعية والسيادة والحرية والثروة هي نظرياً في هذا النظام للشعب
أو على الأقل للحزب الوحيد الحاكم، أما الحاكم الفعلي في الواقع فهي النخبة
المتحكمة في قيادة الحزب والإدارة والجيش والحياة الاقتصادية وليس للشعب صاحب
السيادة إلا أن يقنع بحق الحياة.
الديمقراطية الغربية: الإنسان نزاع إلى الشر
كما أنه نزاع إلى الخير فمن الواجب اتخاذ التدابير من نزعة الشر الموجودة في النفس
البشرية ولو كان الناس ملائكة لما كانت هناك حاجة لقيام الحكومات.
ولكن ما
الضمان في أن لا تتجاوز الدولة مهمتها هذه فتتحول إلى سلطة طاغية مستبدة طالما
يديرها بشر يتصارع في نفوسهم الشر مع الخير، فما الضمان من أن لا يساء
استعمالها.
إن النظر في النظم السياسية الغربية المعاصرة التي تعمل في إطار من
المفهوم الليبرالي للدولة يستطيع من غير عناء أن يتبين لها جميعاً دعامتين أي
مبدأين أساسيين هما: مبدأ الشرعية ومبدأ لسيادة الأمة، والغربيون المعاصرون يرون
في هذين المبدأين الحل الواقعي من الاستبداد السياسي ومن ثم أمثل حل للمشكلة
السياسية كما يرون فيها ثمرة فلسفاتهم وثقافتهم الحديثة في مجال السياسة.
ولقد
تقدم بيان عجز مبدأي الشرعية والسيادة الشعبية وما تفرع عنهما من حريات عامة كحرية
الصحافة وتكوين الأحزاب ومن هيئات للرقابة ومن فصل للسلطات عن كبح جماح الفئات
القوية الضاغطة عن التحكم والإفساد وتسخير السلطة لإفراغ حملة الضمانات التي قدمتها
الديمقراطية من محتوياتها بسبب ما أضفاه مبدأ السيادة من قدسية على البرلمان وعلى
ما يصدر عنه بمعزل عن كل سلطان يعلوه، الأمر الذي أقام حواجز منيعة، بل تناقضاً
كبيراً بين الحياة السياسية من جهة والحياة الخلقية والدنية من جهة أخرى، فغدت
الممارسة السياسية تجري لا سند لها ولا غاية غير المنفعة واللذة فانفتح الباب
بمصراعيه أمام الشيطان ليصول ويجول ويفجر في الإنسان أحط ما فيه من نزوعات الظلم
والعدوان.
كيف نتجنب الظلم؟: فما هي ضمانات عدم الجور في التصور الإسلامي
للدولة؟ ليست الدولة في التصور الإسلامي سلاحاً في يد طبقة لتصفية طبقة أخرى أو فئة
معارضة ولا هي أداه لتحقيق مجد شعب أو عرق أو طائفة على حساب شعوب وأعراق
أخرى.