جواد
البشيتي
البشيتي
"رئيس الوزراء الفلسطيني" سلام فياض
متَّهمٌ الآن بالتنازل "لإسرائيل" عن "حقِّ العودة"، أي عن حق اللاجئين
الفلسطينيين، الذين هم "عددياً" غالبية "الشعب الفلسطيني"، في العودة إلى ديارهم،
أي إلى "إسرائيل اليوم".
أمَّا
حيثية "الاتِّهام"، أو "التهمة"، فتكمن في جملة صغيرة، قال فيها فياض، الذي رأى فيه
بيريز "بن غوريون فلسطين"، إنَّه، وفي سياق ما يبذله من جهد جهيد لبناء، واستكمال
بناء، "مؤسسات" الدولة الفلسطينية، التي، على ما "يتوقَّع"، ستصبح حقيقة واقعة في
2011، سيحرص، أيضاً، على إنشاء وتطوير "بنية تحتية" في الضفة الغربية، أو في جزء
منها، ل"توطين" اللاجئين، أو لاجئين، عملاً ب"حق" كل لاجئ فلسطيني في "العودة إلى
إقليم" الدولة الفلسطينية المقبلة "لا محالة".
هذا القول "أو تلك الجملة" أدلى
به فياض لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وحتى لا يساء فهمه، أو فهم ما قال، كأنْ
يَزْعُم بعض منتقديه ومعارضيه أنَّه يريد إرغام، أو إكراه، اللاجئين، أو بعضهم، على
"العودة إلى ديارٍ جديدة لهم" في الضفة الغربية، أوضح فياض، الذي أسَّس له حزباً
يدعى "كتلة الطريق الثالث"، فاز في انتخابات المجلس التشريعي "التي أجريت سنة 2006"
بمقعدين اثنين في المجلس، أنَّه سينشئ تلك "البنية التحتية" لإسكان وتشغيل
اللاجئين، فإذا "اختار أحدهم، ورغب في العودة"، أي المجيء، فأهلاً وسهلاً به، فإنَّ
دولة فلسطين للشعب الفلسطيني بأسره.
دَعُونا الآن من فياض ومنتقديه ومعارضيه،
ومن زعمهم أنَّ الرجل قد تنازل عن "حقِّ العودة"، الذي بفضل "وضوح" السياسة
الفلسطينية "الرسمية" أصبح مُسْتَغْلَقَاً على الفهم، ولنتساءل عن صلة تلك "الجملة"
ب"الشرعية الفلسطينية"، أي بالسياسة الفلسطينية التي تحظى ب"شرعية
فلسطينية".
إنَّ الرجل، وإنصافاً للحقيقة، ولو كانت غير مختلفة كثيراً عن "كلمة
حقٍّ يراد بها باطل"، حرص كل الحرص على أن يوضِّح ويؤكِّد أنَّه لا ينشد حلاًّ
لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين إلاَّ ذاك الذي أقرَّته وتواضعت عليه "منظمة التحرير
الفلسطينية"، أكانت حيَّةٌ تُرْزَق أم في موت غير مُعْلَن حتى تحين ساعة الدَّفن،
والذي يقوم على ذاك "المبدأ المتناقض منطقياً"، والذي يعجز عن الإتيان بمثله إلاَّ
ذاك "العقل السياسي العربي" الذي أبدع "مبادرة السلام العربية"، أي "بدعة مبادرة
السلام العربية"؛ و"كل بدعة ضلالة"؛ وهذا "المبدأ" هو "أنْ تُحلَّ مشكلة اللاجئين
الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة الرقم 194، وبما يُوافِق "في الوقت نفسه" ما
يُتَّفَق عليه "بين إسرائيل والفلسطينيين" في هذا الشأن "أي في شأن حل تلك
المشكلة"".
وغنيٌ عن البيان أنَّ إسرائيل، وعملاً بحقِّ "الفيتو"، الذي
ملَّكَتْها إيَّاه "مبادرة السلام العربية"، لن تقبل أبداً الاتِّفاق مع الطرف
الآخر "الفلسطينيون" على أيِّ حلٍّ لا يقوم على منع، أو امتناع، اللاجئين
الفلسطينيين عن العودة إلى ديارهم في إقليمها "إقليم الرابع من حزيران
1967".
والرجل، أيضاً، لم يخرج قيد أنملة عن "عنوان وثيقة عمل حكومته"، ألا وهو
"فلسطين. .
إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة"، فلو كان عنوانها "فلسطين. .
إنهاء
الاحتلال وإقامة الدولة وتحقيق حق العودة"، لجاز اتِّهامه بالتنازل عن هذا الحق،
وبالتفريط فيه.
الرجل، رأيته في الصورة، يتصبَّب عرقاً، وهو يحرث الأرض مع
فلاحين فلسطينيين، بمحراث يجرُّه بغلاً؛ وسمعته يخاطب الفلسطينيين وكأنَّه يريد أن
يقول لهم ما معناه: إذا أردتم طريقاً قويماً إلى الدولة "الفلسطينية الحقيقية" التي
فيها، وبها، تحكمون أنفسكم بأنفسكم، فاحرثوا الأرض وازرعوها، وتعاونوا معنا في شقِّ
الطرق، وبناء المنازل والمستشفيات والمدارس والمصانع، وارسلوا أبناءكم إلى المدارس،
فالعلم نور وسلاح، وصلُّوا في الجوامع والكنائس؛ انبذوا العنف وسفك الدماء، وامضوا
قُدُماً في المقاومة السلمية، فتظاهروا ضد الاحتلال والمستوطنات والجدار، وبادلوا
البناء ببناء، فإذا كان نتنياهو مصرِّاً على المضي قُدُماً في بناء منازل ومنشآت
للمستوطنين في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية فَلِمَ لا نفوقه إصراراً على البناء
في ما بقي لنا من أرض في الضفة الغربية، فنبني، ونستكمل بناء، مؤسسات الدولة،
ونؤسِّس لبنية تحتية لإسكان وتشغيل كل لاجئ فلسطيني "يرغب في العودة" إلى إقليم
الدولة الفلسطينية، ولِمَ لا نبني دولة فلسطين "لبنة لبنة" في كنف الاحتلال
والاستيطان، فإذا أزفت ساعة المخاض "آب 2011" خرجت فلسطين من رحم الاحتلال، وعلى
الرغم منه؟! إنَّ فياض، والحقُّ يقال، رجل عملي واقعي، مُغْرَم بالاقتصاد، ولو أنتج
النأي به عن السياسة "سلاماً اقتصادياً"، لا يُحِبُّ الانتظار، ولن ينتظر، بالتالي،
لا المصالحة بين الفلسطينيين، ولا المفاوضات، أكانت مباشِرة أم غير مباشرة، ولا
ميتشل وجولاته، ولا توقُّف الاستيطان أو تجميده، ولا اقتناع نتنياهو بحلِّ
الدولتين، ولا "رأب الصدع" في العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس أوباما؛
إنَّه يَدَع ما ل"هرتزل فلسطين" ل"هرتزل فلسطين"، ويأخذ له ما يحقُّ له أخذه بصفة
كونه "بن غوريون فلسطين"، الذي لا يختلف عن بن غوريون الأصلي، أي عن بن غوريون الذي
يرى فيه الفلسطينيون "المأساة" و"التراجيديا"، إلاَّ في "الوزن البرلماني"؛ والذي
يختلف عن "هرتزل فلسطين الذي مات غيلةً وغدراً" في كونه اكتشف أن أوَّل شيء ينبغي
للمرء أن يفعله، توصُّلاً إلى تحقيق حلمه، هو أن "يستيقظ"، ولقد "استيقظ"؛ وها هُم
"النيام" في جامعة الدول العربية" يقولون له "امضِ قُدُما"، ونحن من ورائكَ، وهم
أنفسهم الذين قالوا ل"صاحب الحلم الفلسطيني" اذْهب أنت وربكَ فقاتلا إنَّا ها هنا
قاعدون"؛ وها هم "المنوِّمون" في اللجنة الرباعية الدولية يقولون له القول
نفسه.
الرجل أنصفناه كثيراً، فَلْنُنْصِف معارضيه ولو قليلاً، فإنَّ أحدهم
اتَّهمه بأنَّه يبيع للفلسطينيين "أحلاماً وردية"، أي يُغشي أبصارهم وبصائرهم بوهم
أنَّهم في آب 2011 سيُرزقون "دولة"؛ ولكن أليس الوهم بعينه أن تَسْتَخْرِج من
"مفاوضات السلام" مع إسرائيل حلاًّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يقوم على عودتهم
بالملايين إلى إقليم الدولة العبرية؟! إذا اخْتَرْتَ "التفاوض السياسي" مع إسرائيل
سبيلاً إلى الحل النهائي للمشكلة القومية للشعب الفلسطيني فإنَّ أوَّل وهم ينبغي
لكَ أن تتحرَّر منه، وأن تحرِّر اللاجئين الفلسطينيين منه، هو هذا الوهم.
أمَّا
إذا تطرَّفتَ في "حلمكَ القومي"، وأردتَ للمقاومة بالحديد والنار أن تكون هي وحدها
الطريق والسبيل فإنَّ عليكَ أن تُثْبِت لشعبكَ أنَّ هذه المقاومة يمكن أن تأتي له
بما يفيض عما يمكن أن يأتي به فياض.
إنَّ أحداً من "المفاوضين العاطلين عن
التفاوض"، أو من "المقاومين العاطلين عن المقاومة"، لا يجرؤ على أن يحاول أن
يُقْنِع الفلسطينيين بأنَّه قادر على أن يأتي لهم ب"سلام" أفضل من "سلام فياض"، أي
أفضل من "السلام" الذي يمكن أن يأتيهم به الدكتور سلام فياض.
"الجملة" التي
قالها الرجل لا تَكْتَمِل معنىً وفهماً الآن، وإنَّما مستقبلاً.
ما نفهمه الآن
منها لا يتعدَّى الآتي: بعد اكتمال البنية التحتية لتوطين وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين، أو بعضهم، في الضفة الغربية، سيُحاط كل لاجئ فلسطيني عِلْماً بأنَّ له
الحق في أن يقيم "بصفة كونه مواطناً" في إقليم الدولة الفلسطينية، فإذا قَبِلَ، أو
أراد، أو رغب في المجيء، فأهلاً وسهلاً به، فإنَّ "دولة فلسطين" تقوم على مبدأ "لا
إكراه في العودة".
إذا فعلها فهو وحده الذي يمكن اتِّهامه بالتخلي عن حقِّه في
العودة، بمعناه الأصلي والحقيقي والقديم، فلا فياض، ولا غيره، يملك أن يرغمه أو
يكرهه على المجيء.
حلُّ مشكلة اللاجئين، بما يوافِق منطق "حل الدولتين"، إنما
يَسْتَلْزِم جَعْل اللاجئ نفسه هو وحده المتَّهم بالتخلي عن حقِّه في العودة "إلى
إقليم دولة إسرائيل".
وهذا لا يتحقَّق إلاَّ من خلال تغيير "واقع" اللاجئين
الفلسطينيين، أو بعضهم، بما يَجْعَل "حق العودة" مرادفاً ل"إرغام اللاجئ على
العودة إلى إقليم الدولة الفلسطينية"، فاللاجئ الذي هُجِّر تهجيراً من دياره "التي
هي الآن جزء من إقليم دولة إسرائيل" يجب أن "يُهجَّر" الآن، أو مستقبلاً، من منفاه
إلى إقليم الدولة الفلسطينية، فمنفاه يجب أن يتغيَّر بما يجعله "راغباً في العودة"
إلى حيث يريدون هم له أن يعود، أي إلى الضفة الغربية، أو إلى "قطاع غزة الكبير"،
إذا ما كبر "من خلال تبادل الأراضي".
من قبل، هُجِّر من وطنه حتى تُقام ل"الشعب
اليهودي" دولة في فلسطين؛ واليوم، أو مستقبلاً، يجب أن "يُهجَّر" من منفاه إلى
إقليم الدولة الفلسطينية حتى تطمئن إسرائيل إلى أنَّ "يهوديتها الديمغرافية" باقية
إلى الأبد في الحفظ والصون.
إذا أصبحت حياة اللاجئ في المنفى العربي جحيما لا
يُطاق، فكيف له، عندئذٍ، "ألاَّ يرغب في العودة" إلى دولته، التي لن تقول له أهلاً
وسهلاً إلاَّ إذا أتاها طائعاً مختاراً، غير مكره ولا مُرْغَم؛ وقد أتاها كذلك! ما
هو الآن مدار البحث، وعلى نار الطبخ، ليس "حق العودة"، وإنَّما "ما يمكن ويجب عمله
وفعله توصُّلاً إلى إكراه وإرغام اللاجئ الفلسطيني على مغادرة منفاه العربي إلى
إقليم الدولة الفلسطينية"، وكأنْ لا خيار بقي لديه سوى "طلب اللجوء الإنساني
والسياسي" إلى هذه الدولة، التي يراد لها أن تكون كقطعة الإسفنج تمتَّص ما يمكنها
امتصاصه من اللاجئين ومشكلتهم.
متَّهمٌ الآن بالتنازل "لإسرائيل" عن "حقِّ العودة"، أي عن حق اللاجئين
الفلسطينيين، الذين هم "عددياً" غالبية "الشعب الفلسطيني"، في العودة إلى ديارهم،
أي إلى "إسرائيل اليوم".
أمَّا
حيثية "الاتِّهام"، أو "التهمة"، فتكمن في جملة صغيرة، قال فيها فياض، الذي رأى فيه
بيريز "بن غوريون فلسطين"، إنَّه، وفي سياق ما يبذله من جهد جهيد لبناء، واستكمال
بناء، "مؤسسات" الدولة الفلسطينية، التي، على ما "يتوقَّع"، ستصبح حقيقة واقعة في
2011، سيحرص، أيضاً، على إنشاء وتطوير "بنية تحتية" في الضفة الغربية، أو في جزء
منها، ل"توطين" اللاجئين، أو لاجئين، عملاً ب"حق" كل لاجئ فلسطيني في "العودة إلى
إقليم" الدولة الفلسطينية المقبلة "لا محالة".
هذا القول "أو تلك الجملة" أدلى
به فياض لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وحتى لا يساء فهمه، أو فهم ما قال، كأنْ
يَزْعُم بعض منتقديه ومعارضيه أنَّه يريد إرغام، أو إكراه، اللاجئين، أو بعضهم، على
"العودة إلى ديارٍ جديدة لهم" في الضفة الغربية، أوضح فياض، الذي أسَّس له حزباً
يدعى "كتلة الطريق الثالث"، فاز في انتخابات المجلس التشريعي "التي أجريت سنة 2006"
بمقعدين اثنين في المجلس، أنَّه سينشئ تلك "البنية التحتية" لإسكان وتشغيل
اللاجئين، فإذا "اختار أحدهم، ورغب في العودة"، أي المجيء، فأهلاً وسهلاً به، فإنَّ
دولة فلسطين للشعب الفلسطيني بأسره.
دَعُونا الآن من فياض ومنتقديه ومعارضيه،
ومن زعمهم أنَّ الرجل قد تنازل عن "حقِّ العودة"، الذي بفضل "وضوح" السياسة
الفلسطينية "الرسمية" أصبح مُسْتَغْلَقَاً على الفهم، ولنتساءل عن صلة تلك "الجملة"
ب"الشرعية الفلسطينية"، أي بالسياسة الفلسطينية التي تحظى ب"شرعية
فلسطينية".
إنَّ الرجل، وإنصافاً للحقيقة، ولو كانت غير مختلفة كثيراً عن "كلمة
حقٍّ يراد بها باطل"، حرص كل الحرص على أن يوضِّح ويؤكِّد أنَّه لا ينشد حلاًّ
لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين إلاَّ ذاك الذي أقرَّته وتواضعت عليه "منظمة التحرير
الفلسطينية"، أكانت حيَّةٌ تُرْزَق أم في موت غير مُعْلَن حتى تحين ساعة الدَّفن،
والذي يقوم على ذاك "المبدأ المتناقض منطقياً"، والذي يعجز عن الإتيان بمثله إلاَّ
ذاك "العقل السياسي العربي" الذي أبدع "مبادرة السلام العربية"، أي "بدعة مبادرة
السلام العربية"؛ و"كل بدعة ضلالة"؛ وهذا "المبدأ" هو "أنْ تُحلَّ مشكلة اللاجئين
الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة الرقم 194، وبما يُوافِق "في الوقت نفسه" ما
يُتَّفَق عليه "بين إسرائيل والفلسطينيين" في هذا الشأن "أي في شأن حل تلك
المشكلة"".
وغنيٌ عن البيان أنَّ إسرائيل، وعملاً بحقِّ "الفيتو"، الذي
ملَّكَتْها إيَّاه "مبادرة السلام العربية"، لن تقبل أبداً الاتِّفاق مع الطرف
الآخر "الفلسطينيون" على أيِّ حلٍّ لا يقوم على منع، أو امتناع، اللاجئين
الفلسطينيين عن العودة إلى ديارهم في إقليمها "إقليم الرابع من حزيران
1967".
والرجل، أيضاً، لم يخرج قيد أنملة عن "عنوان وثيقة عمل حكومته"، ألا وهو
"فلسطين. .
إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة"، فلو كان عنوانها "فلسطين. .
إنهاء
الاحتلال وإقامة الدولة وتحقيق حق العودة"، لجاز اتِّهامه بالتنازل عن هذا الحق،
وبالتفريط فيه.
الرجل، رأيته في الصورة، يتصبَّب عرقاً، وهو يحرث الأرض مع
فلاحين فلسطينيين، بمحراث يجرُّه بغلاً؛ وسمعته يخاطب الفلسطينيين وكأنَّه يريد أن
يقول لهم ما معناه: إذا أردتم طريقاً قويماً إلى الدولة "الفلسطينية الحقيقية" التي
فيها، وبها، تحكمون أنفسكم بأنفسكم، فاحرثوا الأرض وازرعوها، وتعاونوا معنا في شقِّ
الطرق، وبناء المنازل والمستشفيات والمدارس والمصانع، وارسلوا أبناءكم إلى المدارس،
فالعلم نور وسلاح، وصلُّوا في الجوامع والكنائس؛ انبذوا العنف وسفك الدماء، وامضوا
قُدُماً في المقاومة السلمية، فتظاهروا ضد الاحتلال والمستوطنات والجدار، وبادلوا
البناء ببناء، فإذا كان نتنياهو مصرِّاً على المضي قُدُماً في بناء منازل ومنشآت
للمستوطنين في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية فَلِمَ لا نفوقه إصراراً على البناء
في ما بقي لنا من أرض في الضفة الغربية، فنبني، ونستكمل بناء، مؤسسات الدولة،
ونؤسِّس لبنية تحتية لإسكان وتشغيل كل لاجئ فلسطيني "يرغب في العودة" إلى إقليم
الدولة الفلسطينية، ولِمَ لا نبني دولة فلسطين "لبنة لبنة" في كنف الاحتلال
والاستيطان، فإذا أزفت ساعة المخاض "آب 2011" خرجت فلسطين من رحم الاحتلال، وعلى
الرغم منه؟! إنَّ فياض، والحقُّ يقال، رجل عملي واقعي، مُغْرَم بالاقتصاد، ولو أنتج
النأي به عن السياسة "سلاماً اقتصادياً"، لا يُحِبُّ الانتظار، ولن ينتظر، بالتالي،
لا المصالحة بين الفلسطينيين، ولا المفاوضات، أكانت مباشِرة أم غير مباشرة، ولا
ميتشل وجولاته، ولا توقُّف الاستيطان أو تجميده، ولا اقتناع نتنياهو بحلِّ
الدولتين، ولا "رأب الصدع" في العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس أوباما؛
إنَّه يَدَع ما ل"هرتزل فلسطين" ل"هرتزل فلسطين"، ويأخذ له ما يحقُّ له أخذه بصفة
كونه "بن غوريون فلسطين"، الذي لا يختلف عن بن غوريون الأصلي، أي عن بن غوريون الذي
يرى فيه الفلسطينيون "المأساة" و"التراجيديا"، إلاَّ في "الوزن البرلماني"؛ والذي
يختلف عن "هرتزل فلسطين الذي مات غيلةً وغدراً" في كونه اكتشف أن أوَّل شيء ينبغي
للمرء أن يفعله، توصُّلاً إلى تحقيق حلمه، هو أن "يستيقظ"، ولقد "استيقظ"؛ وها هُم
"النيام" في جامعة الدول العربية" يقولون له "امضِ قُدُما"، ونحن من ورائكَ، وهم
أنفسهم الذين قالوا ل"صاحب الحلم الفلسطيني" اذْهب أنت وربكَ فقاتلا إنَّا ها هنا
قاعدون"؛ وها هم "المنوِّمون" في اللجنة الرباعية الدولية يقولون له القول
نفسه.
الرجل أنصفناه كثيراً، فَلْنُنْصِف معارضيه ولو قليلاً، فإنَّ أحدهم
اتَّهمه بأنَّه يبيع للفلسطينيين "أحلاماً وردية"، أي يُغشي أبصارهم وبصائرهم بوهم
أنَّهم في آب 2011 سيُرزقون "دولة"؛ ولكن أليس الوهم بعينه أن تَسْتَخْرِج من
"مفاوضات السلام" مع إسرائيل حلاًّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يقوم على عودتهم
بالملايين إلى إقليم الدولة العبرية؟! إذا اخْتَرْتَ "التفاوض السياسي" مع إسرائيل
سبيلاً إلى الحل النهائي للمشكلة القومية للشعب الفلسطيني فإنَّ أوَّل وهم ينبغي
لكَ أن تتحرَّر منه، وأن تحرِّر اللاجئين الفلسطينيين منه، هو هذا الوهم.
أمَّا
إذا تطرَّفتَ في "حلمكَ القومي"، وأردتَ للمقاومة بالحديد والنار أن تكون هي وحدها
الطريق والسبيل فإنَّ عليكَ أن تُثْبِت لشعبكَ أنَّ هذه المقاومة يمكن أن تأتي له
بما يفيض عما يمكن أن يأتي به فياض.
إنَّ أحداً من "المفاوضين العاطلين عن
التفاوض"، أو من "المقاومين العاطلين عن المقاومة"، لا يجرؤ على أن يحاول أن
يُقْنِع الفلسطينيين بأنَّه قادر على أن يأتي لهم ب"سلام" أفضل من "سلام فياض"، أي
أفضل من "السلام" الذي يمكن أن يأتيهم به الدكتور سلام فياض.
"الجملة" التي
قالها الرجل لا تَكْتَمِل معنىً وفهماً الآن، وإنَّما مستقبلاً.
ما نفهمه الآن
منها لا يتعدَّى الآتي: بعد اكتمال البنية التحتية لتوطين وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين، أو بعضهم، في الضفة الغربية، سيُحاط كل لاجئ فلسطيني عِلْماً بأنَّ له
الحق في أن يقيم "بصفة كونه مواطناً" في إقليم الدولة الفلسطينية، فإذا قَبِلَ، أو
أراد، أو رغب في المجيء، فأهلاً وسهلاً به، فإنَّ "دولة فلسطين" تقوم على مبدأ "لا
إكراه في العودة".
إذا فعلها فهو وحده الذي يمكن اتِّهامه بالتخلي عن حقِّه في
العودة، بمعناه الأصلي والحقيقي والقديم، فلا فياض، ولا غيره، يملك أن يرغمه أو
يكرهه على المجيء.
حلُّ مشكلة اللاجئين، بما يوافِق منطق "حل الدولتين"، إنما
يَسْتَلْزِم جَعْل اللاجئ نفسه هو وحده المتَّهم بالتخلي عن حقِّه في العودة "إلى
إقليم دولة إسرائيل".
وهذا لا يتحقَّق إلاَّ من خلال تغيير "واقع" اللاجئين
الفلسطينيين، أو بعضهم، بما يَجْعَل "حق العودة" مرادفاً ل"إرغام اللاجئ على
العودة إلى إقليم الدولة الفلسطينية"، فاللاجئ الذي هُجِّر تهجيراً من دياره "التي
هي الآن جزء من إقليم دولة إسرائيل" يجب أن "يُهجَّر" الآن، أو مستقبلاً، من منفاه
إلى إقليم الدولة الفلسطينية، فمنفاه يجب أن يتغيَّر بما يجعله "راغباً في العودة"
إلى حيث يريدون هم له أن يعود، أي إلى الضفة الغربية، أو إلى "قطاع غزة الكبير"،
إذا ما كبر "من خلال تبادل الأراضي".
من قبل، هُجِّر من وطنه حتى تُقام ل"الشعب
اليهودي" دولة في فلسطين؛ واليوم، أو مستقبلاً، يجب أن "يُهجَّر" من منفاه إلى
إقليم الدولة الفلسطينية حتى تطمئن إسرائيل إلى أنَّ "يهوديتها الديمغرافية" باقية
إلى الأبد في الحفظ والصون.
إذا أصبحت حياة اللاجئ في المنفى العربي جحيما لا
يُطاق، فكيف له، عندئذٍ، "ألاَّ يرغب في العودة" إلى دولته، التي لن تقول له أهلاً
وسهلاً إلاَّ إذا أتاها طائعاً مختاراً، غير مكره ولا مُرْغَم؛ وقد أتاها كذلك! ما
هو الآن مدار البحث، وعلى نار الطبخ، ليس "حق العودة"، وإنَّما "ما يمكن ويجب عمله
وفعله توصُّلاً إلى إكراه وإرغام اللاجئ الفلسطيني على مغادرة منفاه العربي إلى
إقليم الدولة الفلسطينية"، وكأنْ لا خيار بقي لديه سوى "طلب اللجوء الإنساني
والسياسي" إلى هذه الدولة، التي يراد لها أن تكون كقطعة الإسفنج تمتَّص ما يمكنها
امتصاصه من اللاجئين ومشكلتهم.