الكويليت
بلبنان يعبِّر بكليته عن الأوضاع العربية بتنافسها على المواجهة الساذجة، ولعل
إطلاق النار على «اليونوفيل» من قبل بعض الأهالي، لا يصنف كحالة عامة تحدث بأي موقف
وخاصة مع القوات الفرنسية التي تعد الحاضن والمقبول من فئات كثيرة من اللبنانيين
تبعاً لعلاقات تاريخية توصف بأنها تلاحم مسارات، وكل تفسير للحادثة يوضع ضمن
الصراع المتداخل بين الواجهات
الحزبية، والذي فسره البعض بأنه مقدمة لصدور قرار من المحكمة بشأن اغتيال الحريري،
وآخر وصفها ضمن المقاطعة الدولية لإيران، وثالث ربطها باللاجئين
الفلسطينيين.
وكل ما سبق يعد تخريجاً للمسألة يوضع ضمن قائمة ولوائح الاتهامات
المتبادلة..
الوطن العربي مرتهن لغيره بأساليب الحماية المباشرة أو غيرها، ففي
الخليج العربي تتواجد الأساطيل والقواعد منذ تنافس المعسكرين الشرقي والغربي على
النفط والممرات الإستراتيجية، وإبعاد السوفييت عن البحار الدافئة، واليوم نشهد دخول
إيران على خط تنازع القوى، فحربها مع العراق ولّد قناعة بأن الرصاصة قبل اللقمة،
وهنا جاءت العقوبات لأن امتلاك سلاح نووي بمنطقة حساسة وبيد (راديكالية) دينية يوضع
على نفس الدرجة من المخاوف من السوفييت، وهذه المرة ليست فقط من خلال قناعات دول
المنطقة ومخاوفها، بل من أعضاء مجلس الأمن، الذين يرون إيران خطراً عليهم سواء
بتواجد عسكري كبير قد يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز، أو إرسال صواريخها في حال نشوب حرب
في لبنان إلى إسرائيل لتكون الكارثة..
إيران تبحث عن زعامة دولية وتعتقد أنها
تملك المقومات والمؤثرات التي تضعها بنفس المنافسة مع القوى الكبرى في منطقة
الخليج، وهو أمر طبيعي لأي كيان يرى قدرته على إكمال ما ينقص عند الآخرين، إلا أن
الأمور لا تُدار بهذه العقلية إذا عرفنا أن المناطق الحساسة إستراتيجياً تعتبر
تواجد عناصر الإرهاب، أو من يريد تهديد أمن الدول، خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ويؤكد
ذلك تحالف أعضاء مجلس الأمن تجاه إيران رغم تقاطع المصالح والأفكار..
وكما سبق
لدول عربية اعتقدت أنها ستحرر دول العالم الثالث، ترسل لها الخبراء العسكريين
والأسلحة، وتصوت معها في المحافل الدولية، فإن تلك الزوابع ظلت ضمن سياسة الاحتواء
من قبل الاتحاد السوفييتي الذي كان الداعم الأول، وقد لا تكون الوصاية مباشرة سواء
من الغرب الذي لا يزال يرى في مستعمراته القديمة، امتداداً لسياسته، أو ما بقي
لجذور الحرب الباردة التي كان أحد أجنحتها الشرق، وفي كل الأحوال فإن لبنان هو
النموذج الحقيقي لما يجري على الأرض العربية من تناقضات وعجز عن إدارة شؤونهم..