عنق الزجاجة بالتوقيع على المحضر المتعلق بتنفيذ اتفاق فبراير الذي ظل مشلولاً لمدة
تزيد عن عام ونصف، فقد جاء الاتفاق لينقل الناس من مربع التشاؤم إلى مربع التفاؤل،
وجاءت الكلمات التي ألقيت بعد الاتفاق، سواء التي ألقاها الأخ الرئيس أم ممثلي
الطرفين الموقعين على الاتفاق، والأجواء التي رافقت التوقيع والتحضير له لتؤكد أن
الجميع كان يستشعر خطورة الوضع الذي كانت تعيشه البلد، سواء من قبل السلطة أم
المعارضة.
كان الجميع معنياً
بالوصول إلى هذا الاتفاق من التوافق، وحسناً فعل الرئيس عندما استضاف الموقعين على
الاتفاق في دار الرئاسة ورعاه، فقد كان الجميع يطالب الرئيس بألا يترك للحزب الذي
يرأسه مهمة التفاوض مع المعارضة لوحده؛ لأن كافة مفاتيح الحل بيد الرئيس لا بيد
الحزب، وهذا ليس تقليلاً من شأن الشخصيات التي تدير حزب المؤتمر الشعبي العام، بل
اعترافا بالحقيقة التي تؤكد أن الرئيس وحده من يستطيع هندسة الحلول التي تستعصي على
السياسيين.
أما وقد تم التوقيع على المحضر فإن الجميع يكون قد خرج من دائرة
التهمة بتعطيل الحياة السياسية، وهي التهمة التي ظل طرفا الحياة السياسية
يتبادلانها طوال الفترة التي أعقبت التوصل إلى الاتفاق، وانتقل من مرحلة المكايدة
السياسية إلى مرحلة الفعل السياسي المباشر والجاد، فقد برهن الاتفاق أن المكايدة
السياسية كانت الوحيدة التي تعيق تنفيذ الاتفاق الذي تم تجميده في الثلاجة طوال عام
ونصف العام.
لكن الأهم ليس التوقيع على الاتفاق وليس تشكيل اللجان التي ستبحث
مواضيع الحوار والتعديلات الدستورية، بقدر ما هو مهم قناعة الطرفين من أن أية
انتكاسة في الحوارات المقبلة ستكون كارثة على البلد، بمعنى أن هذا الاتفاق هو
الفرصة الأخيرة للجميع ليبرهنوا على أن قلبيهما على البلد وعلى أمنه واستقراره
ووحدته التي صارت تتهددها مخاطر شتى يدركها الجميع ولا يخفيها.
ستنتظر البلد
كلها نتائج الحوارات التي ستبدأ بها اللجان المكلفة بتحديد مواضيع الحوار
ومواعيدها، كما ستنتظر البلد كلها النتائج التي سيتوصل إليها ممثلو الشعب في
البرلمان لجهة إقرار التعديلات الدستورية المقترحة، إضافة إلى إعادة تشكيل اللجنة
العليا للانتخابات التي كانت محل خلاف الطرفين منذ سنوات عدة.
الأهم هو أن تبرز
النوايا الحسنة لدى كافة أطراف الحياة السياسية لمعالجة قضايا الخلاف العالقة، وهي
بلا شك خلافات موجودة، فالبلد لم تعد تنقصها المتاعب والمشاكل، ففيها ما يكفيها،
والأهم أن يستشعر الطرفان خطورة الافتراق بينهما على الوضع كله، لهذا فإن الجميع
معني بإنجاح ما تم التوافق عليه يوم أمس وتغليب مصلحة البلد على مصلحة الأحزاب
والأفراد.