مصطفى الدفعي
الإرهاب تحت ستار الدين ولكن توجد ظاهرة أخرى موازية هي الإرهاب تحت ستار الثقافة،
يجب أن نعرفها، فمثلما هناك جماعات تقوم بتكفير البعض والمطالبة بإهدار دمه ،
وتصفيته جسدياً باسم الدين ، هناك "شلل" تقوم بتكفير البعض فكرياً وإهداره إعلامياً
وتصفيته أدبياً باسم الثقافة.
مثلما هناك جماعات تدعي امتلاك الحقيقة الدينية ، نجد جماعات تدعي
امتلاك الحقيقة الثقافية ،الأولى تزعم احتكار تفسير الدين ، والحكم على المؤمنين
والمؤمنات والثانية تحتكر تفسير الثقافة والفن والأدب والحكم على المفكرين
والمفكرات.
امتلأت حياتنا الثقافية بقساوسة أغلبهم من الذكور الذين يسترزقون من
التفقه في تصنيف الأدباء والأديبات ونقد المبدعين ولديهم قائمة اغتيالات معنوية لكل
من لا يؤدي طقوس الطاعة والولاء ولكل من يتعفف عن تقديم القرابين ولديهم أيضاً
قائمة اتهامات جاهزة للانقضاض على كل مفكر أو أديب أو مبدع أثبت وجوده من خارج
عباءتهم وليس في حاجة إلى رضاهم وبركتهم وشفاعتهم .
المصيبة أن هؤلاء القساوسة
الذين نصبوا أنفسهم "آلهة" الثقافة والفكر والإبداع والنقد يعرفون الطريق أكثر من
غيرهم إلى وسائل الإعلام وبالتالي هم ينجحون في اختراق الرأي العام وإفساد الذوق
الثقافي.
إن قساوسة أو كهنة الأديان يحشون أدمغة الناس بما ينسجم مع تفسيراتهم
الشخصية للدين ومصالحهم السياسية الخاصة وقساوسة أو كهنة الثقافة يحشون أدمغة الناس
بما يدعم رؤيتهم الخاصة للثقافة والإبداع ، وكما يقف أصحاب الإرهاب الديني طبقة
عازلة بين الناس والدين الحقيقي ، يحجب أصحاب الإرهاب الثقافي عن الناس بجدار سميك
معنى الثقافة الحقيقي وجوهر الإبداع الأصيل.
إن كهنة الثقافة وهنة الأديان
يدعمان بعضهم البعض وهما ظاهرتان يفرزهما مناخ واحد وترسخهما منظومة واحدة، أو لنقل
إنها وجهان لعملة واحدة ، وإن كنا نرى أن كهنة أو قساوسة الثقافة هم الأكثر خطورة،
فاستمرار الإرهاب الديني مرهون بسيادة الفكر الواحد والتعصب لرؤى فكرية محددة تفرض
حصارها وسيطرتها وهذا بالتحديد ما يرسخه قساوسة الثقافة فهم يزرعون بذور التعصب
الفكري والتزمت الإبداعي، كأسلوب حياة ونمط للتفكير.
إن حركة الحياة وإن أصابها
بعض التراجع هي دائماً نحو الارتقاء ، ولذلك فإن أصحاب المؤسسات الكهنوتية وأنصار
الفكر الكهنوتي في الدين والثقافة على حد سواء هم إلى زوال، والله من وراء
القصد.