;

نقد العقل العربي :تكوين العقل العربي ززالحلقة «13» 1447

2010-08-02 03:23:16

صفحة من
كتاب


سننظر إذن إلى
الظاهرتين اللتين أبرزناهما قبل بوصفهما تعكسان ما نعبر عنه هنا ب"الحقيقة العربية
المزدوجة" التي يمكن ان نلتمس لها مظاهر أخرى عديدة في الواقع العربي بما هو عربي
"الوحدة/ التجزئة، الغني/ الفقر، الخصوبة/ الجدب، الصحراء/ البحر. . . . إلخ
. . . إلخ".

في هذه
"الحقيقة
العربية المزدوجة" تتنافس الخصوصيات القطرية مع العمومية القومية ولكن داخلها، لا
خارجها، ودون أن يطمح أي منهما إلى إلغاء الآخر أو نفيه، وأن هو فعل ألغى نفسه لأن
وجود أحدهما متوقف على وجود الآخر ومشروط به.
وهكذا فمشكلة التقدم في الفكر
العربي لا يمكن أن تعالج معالجة عملية مع غياب الوعي بهذه الحقيقة المزدوجة التي
تشكل جوهر الكيان العربي في كافة المجالات، فإذا نظرنا إلى هذا الكيان من خلال
مظهره الوحدوي مظهره العام وجدنا الزمن الثقافي العربي زمناً واحداً تتداخل
عصوره بالشكل الذي بينا.
ولكن إذا نظرنا إلى نفس الكيان من خلال مظهر الخصوصية
فيه، أي بوصفة أجزاء تفاوت نموها عبر التاريخ، وجدنا أنفسنا أمام غياب التزامن
الثقافي، أي أمام أزمنة ثقافية متعددة يمكن البحث في كل منها عن عصور منفصلة
متباينة، بل ربما حتى عن مراحل تحققت عبر "قطائع" في بعض القطاعات الفكرية
الثقافية.
على أن الوعي بهذه الحقيقة العربية المزدوجة سيظل سلبياً إذا ظل يتحرك
على الصعيد المعرفي المحض، إذ سيؤول في هذه الحالة إلى مجرد القول ب"تكامل"
المظهرين المتناقضين وينتهي بالتالي إلى قبول "الواقع"، وكأن ليس في الإمكان أبدع
مما كان.
لابد إذن، ونحن نصدر عن موقف نقدي ينشد التغيير، من التحرك أيضاً من
موقع إيديولوجي واع، أي لابد من الصدور عن موقف تاريخاني، موقف يطمح ليس فقط إلى
اكتساب معرفة صحيحة بما كان، بل أيضاً إلى المساهمة في صنع ما ينبغي أن يكون، وهو
بالنسبة للمجال الذي نتحرك فيه الدفع بالفكر العربي في اتجاه القعلنة، اتجاه تصفية
الحساب مع ركام، ولا نقول رواسب، اللامعقول في بنيته.
وبناء عليه فإن مشكلة
التقدم في الفكر العربي يجب أن تطرح ليس فقط لتحقيق التقدم؟).
وبعبارة أخرى أن
متطلبات تحقيق التقدم للفكر العربي، حاضراً ومستقبلاً، يجب أن تكون حاضرة عند
اختيارنا للزاوية التي سننظر منها إلى مشكلة التقدم في الفكر العربي المنحدر إلينا
من الماضي.
وبما أننا نطمح إلى فكر عربي واحد، أو موحد، يتحقق فيه التزامن
الثقافي ليس فقط بين أجزاء الوطن العربي بعضهما مع بعض، بل أيضاً بيننا نحن كعرب
والعالم المتمدن، بحيث نحقق حضورنا داخل الفكر العالمي في أرقى صورة، فإنه سيكون
علينا أن ننظر إلى قضية التقدم في ماضي وحاضر الفكر العربي والثقافة العربية من
خلال المظهر الوحدوي فيهما، أي من خلال الزمن الثقافي الواحد الذي يمتد في الواقع
العربي منذ الجاهلية إلى اليوم حيث يتوقف تقدم الفكر العربي مستقبلاً على تحقيق
قطيعة ايبيستيمولوجية معه، قطيعة قوامها تدشين زمن ثقافي جديد على أسس
جديدة.
تلك هي إستراتيجيتنا العامة في هذا "القول" الذي نضعه بين دفتي هذا
الكتاب، إستراتيجية إبراز عيوب وحدة مضت من أجل بناء وحدة أفضل وأمتن.
أن
التضحية ب"الزمن" أي بمتابعة "التطور في دراستنا لبنية العقل العربي ومكوناته
الثقافية سيكون من أجل "زمن المستقبل" الذي نريده متصلاً متصاعداً.
وليست هذه
التضحية، بل الاستراتيجية العامة، مجرد اختيار اعتباطي، بل تمليها، إن لم تقل
تفرضها، معطيات الثقافة العربية نفسها، وكما قال عبدالوهاب بوحديبة:" فالبنيوية جن
يلابس الثقافية العربية، إذ أن في هذه الثقافة بنيات أزلية يجب الكشف عنها بأي
ثمن".
ولكننا إذا كنا نطمح إلى المساهمة في الكشف عن هذه البنيات فليس ذلك من
أجل البحث عن أصالة، موهومة، فوق الزمن، بل من أجل تجاوزها.
وفي هذه الحالة فإن
التحليل التاريخي سيكون ضرورياً لنا ضرورة التحليل البنيوي ذاته.
لقد قررنا في
عدة قضايا منهجية، وعلينا في ختام هذا الفصل أن نمهد لاتخاذ قرار آخر، منهجي
كذلك.
عندما أثرنا قبل قليل في مسالة البداية في الفكر العربي كنا نفكر فيها تحت
ضغط مسألة التقدم التي جعلناها أحد المحاور الرئيسية في هذا الفصل، ولذلك تراءت
أمامنا في الحين بدايات وليس بداية واحدة، بدايات تختلف عن بعضها باختلاف العصور
الثقافية العربية من جهة، وبغياب التزامن الثقافي بين أقطار الوطن العربي من جهة
ثانية.
غير أن مناقشة هذين المظهرين الأساسيين في الثقافية العربية دفعت بنا إلى
اختيار منهجي استراتيجي قوامه النظر إلى هذه الثقافة كوحدة، ككل واحد، كزمن ثقافي
واحد، تذوب فيه تلك البدايات التي تقدم نفسها وكأنها تؤسس عصوراً ثقافية فعلية، في
حين أن الأمر إنما يتعلق في الواقع بمجرد تجليات مكانية لكلية الفكر العربي
والثقافية العربية "دمشق، بغداد القاهرة، القيروان، فاس، قرطبة،. . . ".
ومع ذلك
فإن هذا الاختيار الاستراتيجي لا يلغى مشكلة البداية، إنه يتجاوز فعلاً بالبدايات
التي ناقشناها قبل، ولكنه بالمقابل يطرح علينا، أي على صعيد المنهج والرؤية، مشكلة
النقطة التي سننطلق منها لدراسة تشكل بنية العقل العربي، مشكلة بداية إعادة بناء
كلية الثقافة العربية.
فكيف سنحدد هذه النقطة البداية؟ إنه سواء رجعنا بهذه
البداية "البنيوية" إلى السوميريين أو وقفنا بها عند العصر الجاهلي أو عند قيام
الإسلام أو ربطناهنا بفترة أخرى سابقة أو لاحقة فإننا سنكون دوماً قد قمنا
باختيار.
وسواء وعينا ذلك أم لم نعه، فإن البداية في جميع هذه الحالات، ولربما
في جميع الأحوال، ليس هي ما كان بالفعل كذلك، بل هي ما اخترناه ن يكون كذلك.
أن
الرجوع ببنية العقل العربي إلى "البنية الذهنية الحضارية في الشرق المتوسطي الآسيوي
القديم" عمل مشروع، تماماً مثلما هو مشروع جعل بداية تشكل نفس البنية بنية العقل
العربي في "العصر الجاهلي" أو في مرحلة أخرى سابقة أو لاحقة، فقط شريطة أن يكون
ذلك متسقاً، "غير متناقض" مع المعنى الذي يطعيه الباحث لعبارة "العقل
العربي".
فالبداية هنا تستمد مشروعيتها من الحدود التي نرسمها للموضوع وليس
العكس.
أما نحن فقد اخترنا أن ننظر إلى العقل العربي لا من خلال ما هو حي ميت
أي ما هو باق من النقوش والآثار والأصول اللغوية التي تمتد بعيداًً، ربما أبعد مما
أصطلح القدماء على تسميته ب"العرب البائدة"، بل لقد فضلنا أن نحدد ونعرف العقل
العربي من خلال ما هو حي فيه، أي من خلال الثقافة التي صنعته، الثقافة العربية التي
ما زالت تحتفظ بها إلى اليوم كتب ومجلدات عديدة لا تحصى، والتي مازالت تحمل هويتنا
الثقافية، الهوية التي تشكل العنصر الجوهري في مفهوم "العرب" في العصر الحاضر
والعصور السابقة.
وما دام الأمر كذلك فإن مجال الاختيار للبداية الملائمة
للتحديد الذي أعطيناه ل"العقل العربي" أصبح محصوراً بحدود هذه الثقافة التي ما
زالت حية، فينا، أي بالإطار المرجعي الذي به تتحدد.
فما هو هذا الإطار المرجعي
للفكر العربي؟ ذلك ما سنقرر فيه في الفصل التالي.
عصر التدوين الإطار المرجعي
للفكر العربي على الرغم من أننا لم نقرر بعد، بكيفية واضحة وصريحة، في قضايا أساسية
بالنسبة لبحثنا فقد كنا نتحدث عنها وكأننا فصلنا فيها بصورة نهائية، ومن غير شك فإن
هذا "العيب" سيظل مرافقاً لنا إلى نهاية المطاف لأنه من "عيوب" اللغة، وهي التي لا
تستطيع التعبير عن الأفكار إلا عبر الزمن أي بالتتابع.
فمن واجبنا إذن أن تلتمس
العذر لأولئك الذين يخاطبون مراسيلهم بمثل هذه العبارة: "إن القلم لا يطاوعني في
التعبير عن مكنونات صدري".
ذلك لأن "مكنونات الصدر" التي من هذا النوع تريد كلها
الخروج دفعة واحدة في حين أن اللغة تفرض عليها الخضوع لنوع من الترتيب
والنظام.
من حسن حظنا أنا لسنا هنا إزاء أفكار من هذا النوع الذي غالباً ما
يتغذى بالعاطفة، بل نحن أمام أفكار تقبل بطبيعتها النظام والترتيب لأنها عقلية، أو
لأنها العقل ذاته.
والذي يحدث في بعض الأحيان هو أننا نضطر إلى تأخير ما "يجب"
أن يتقدم وتقديم ما "يجب" أن يتأخر، حتى نستطيع الكلام.
من ذلك أننا مثلاً
ناقشنا مشكلة التقدم في الفكر العربي وتحدثنا عن العصور الثقافية العربي وفي
مقدمتها العصر الجاهلي وكأننا قد حددنا بالضبط هوية تلك العصور أو أننا فصلنا بشكل
واضح مسألة البداية، بداية تشكل بنية العقل العربي.
هذا مع أن مسار الأمور من
وجهة النظر التاريخية ربما يقتضي، في نظر البعض، الانطلاق في البحث من العصر
الجاهلي أولاً باعتبار أن بنية العقل العربي كما حددناه إنما تشكلت في ذلك العصر،
أو على الأقل بدأت تتأسس داخله.
إن هذا ليس صحيحاً من وجهة النظر التي نصدر
عنها، فالزمن الثقافي، كما أوضحنا ذلك من قبل، زمن خاص لا يخضع لمفهوم القبلية
والبعدية كما ينسحبان على الزمن الاجتماعي الطبيعي.
فلننظر إذن كيف ينبغي أن
ترتب الأمور في وعينا، ولنبدأ بفحص صورة العصر الجاهلي فيه.
أما أن يكون عرب
الجزيرة العربية يتوفرون على ثقافة معينة وبنية عقلية خاصة، تنتمي إلى هذه الثقافة،
فهذا ما لا يمكن الشك فيه إلا إذا أمكن الشك في وجودهم المادي نفسه.
وأما أن
تكون الصورة التي لدينا نحن اليوم عن العصر الجاهلي بوصفه زمناً ثقافياً وبنية
عقلية خاصة نسخة طبق الأصل للواقع الثقافي الفكري الذي عاشه عرب الجزيرة العربية
قبل الإسلام، فهذا ما لا بد لنا من مناقشته ووضعه موضع السؤال.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد