الحسيني
أن يعقدوا القمة بعد الأخرى الموسعة منها والمصغرة لأجل حل مشكلاتهم بأيديهم بعيدا
عن تدخل الآخرين، لكن الأهم هو أن يتمكن العرب مرة وإلى الأبد من امتلاك المناعة
الكافية بوجه خدائع الآخرين، كما امتلاك القدرة على صد غزوات الأجانب عليهم، وأيضا
القدرة على وقف دسائسهم وتآمرهم، وفضح مخططاتهم الهادفة لزرع الفرقة والشقاق بين
الإخوة والأشقاء وبين هؤلاء وجيرانهم والأصدقاء.
في ما مضى من الأشهر القليلة الماضية خسرت أميركا ومعها إسرائيل
الرهان أكثر من مرة في إبعاد سورية عن إيران، كما فشلوا فشلا ذريعا حتى في الإيحاء
بأنهم نجحوا في فصل هذا البلد الممانع عن تلك الدولة الحليفة للمقاومة العربية
والإسلامية.
لكن المحاولة تكررت في الأسابيع القليلة الماضية على خلفية ما بات
يسمى بالقرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، وكان حصادهم أمرّ
من المر هذه المرة لأن الفتنة قد تم وأدها وهي في مهدها.
حملة منظمة ومبرمجة
تكالب على إشعالها أكثر من طرف دولي بمعاضدة إسرائيلية واضحة استهدفت 'شيطنة' حزب
الله اللبناني أولا، ومن ثم إيران على خلفية القرار الظني المشار إليه، والهدف
هوإشعال أتون فتنة طائفية، ولما لم تنجح ذهبوا بعيدا في الترويج لمقولة فصل سورية
عن إيران وحزب الله كحد أدنى بعد أن خسروا رهان الحد الأقصى.
ومع ذلك لم ينجحوا
لا في هذا ولا في ذاك، وعاد المرجفون في المدينة بخفي حنين، رغم كل سيناريوهات
الحرب النفسية وحروب المعلومات الاستخبارية.
إنها الدورة الشيطانية المفرغة
تتكرر في كل مرة، والهدف الأساسي من وراء كل ذلك بالطبع هو تصفية القضية الفلسطينية
من خلال تمرير مشاريع وهمية تحت عنوان ضرورة السلام من خلال العودة
للمفاوضات.
إنها لعبة الأمم التي باتت مكشوفة للداني والقاصي، والتي لطالما
اصطدمت بالحائط المسدود، وتشظت حلقاتها على امتداد العهود والعصور بصمود أهلنا
وأحبتنا على أرض الرباط.
لم يتعلموا الدرس من غزو العراق واجتياحه واستباحته دون
جدوى، كما لم يتعلموا من قبل من غزو أفغانستان ناهيك عن إدراكهم فداحة خسارتهم
لعدواني تموز/يوليو وكانون/ديسمبر ضد اللبنانيين والفلسطينيين.
لقد أرادوا أن
يوحوا للعالم ويضحكوا على ذقون العرب بأن التعاون مع المحور الأميركي الإسرائيلي ضد
العراق المدجج بأسلحة الدمار الشامل كما زعموا وروجوا يومها، هو من سيكفل لهم دولة
فلسطينية تخرج النظام العربي من حرجه مع جماهيره الرافضة للتطبيع والغاضبة ضد ثقافة
الرضوخ والاستسلام للإرادة الأميركية-الإسرائيلية.
اليوم يحاولون جهدهم أن
يستحضروا المشهد بما يشبه ما قبل غزو العراق، لعمل شيء ما ضد لبنان وسورية وإيران،
ولكن هيهات لهم ذلك، فالجميع على أهبة الاستعداد، ومن لم يتعلم بعد من بني جلدتنا
الدرس جيدا فقد يفقد كل ما يملك هذه المرة و'يروح فرق عملة'.
لم تحن ساعة
المواجهة الحربية بعد, لكن المعركة انطلقت منذ مدة وكل التحركات التي تشاهدونها على
الهواء مباشرة أيها المواطنون الشرفاء ما هي إلا تحضير لساحة تلك الرصاصات المقموعة
في مخازنها خوفا من تكرار فشل تموز/يوليو أو كانون/ديسمبر.
أتفه ما في الحرب
والأقل كلفة فيها هو إطلاق الرصاصة الأولى المنذرة باندلاع شرارة الحرب، وأهم وأخطر
ما فيها هو الاستعداد والجهوزية لصد الهجوم المباغت ومنعه من مفاجأة
الخصم.
إسرائيل اليوم هي في أسوأ أيام تاريخها على الإطلاق، فلا هي قادرة على
تكرار التافه والرخيص لأنها تخاف الأخطر وهو جهوزية الخصم واستعداده للرد، وهو ما
جربته في عدوانين سابقين، ولا هي في حالة جهوزية تمنحها اليقين في القدرة على صد أي
هجوم مفاجئ من طرف خصمها المتعدد الأطراف والمتنوع التكتيكات.
بالمقابل فإن
فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني ومقاومته الإسلامية وسورية وإيران
ومن خلال تكاتفها جميعها وتلاحمها وتشاورها وتنسيقها المستمر، وعلى مدى أربع وعشرين
ساعة، لا ترصد فقط كل تحرك للعدو حتى التافه والصغير منه- ما يجعلهم في أعلى درجات
الجهوزية لإحباط أي مباغتة من جانب العدو دون أن تكون مضطرة للجوء إلى فعل ذاك
العمل التافه ابتداء- بل إنها ربما فاجأت بعملها الكبير ما لا يتوقعه ولم يعتد عليه
في تاريخ حروبه السابقة.
وعليه فإن العارفين بخفايا جبهة المقاومة يجزمون بأن من
عجز في الحرب المباغتة سيعجز في حروب الخداع والتضليل كما في حروب إثارة الفرقة
والتشتيت.
وإن إيران وسورية هما اليوم أكثر اقترابا من بعضهما من أي يوم مضى
بانتظار تكسير الحلقة الأخيرة من لعبة الأمم.