باسيد
طويلاً لم أرغب في الانضمام إليه رغم إيماني العميق أن الطوابير ذات يوم كان الطابور في حارتي
طويلاً لم أرغب في الانضمام إليه رغم إيماني العميق أن الطوابير تعلم الناس النظام
والمساوة، إلا أني لا أعرف من شدني من يدي وأرغمني على الانضمام صارخاً في وجهي هذا
هو الظهر الأخير لم أفهم ما معنى الطابور الأخير، ارتمت سريعاً بين أحضان ذاكرتي
أيام المدرسة الابتدائية حين يرن جرس الطابور كل صباح فاهرب سريعاً للاختباء فيأتي
المدير حاملاً عصاه بحثاً عن المشاغبة الصغيرة التي تحرض طلاب المدرسة على
عدم حضور الطابور الصباحي، يضربني المدير بعصاه وأنا أضحك من كل قلبي على غباء
المدير وتفاهته كنت أريد مراراً أن أقول له أن يهتم بوجود مدرسين ومربين حقيقين
بدلاً من الانشغال بضربي كل صباح وبدلاً من الانشغال برص صفوف ذلك الطابور الطويل
العريض الذي يشبه هذا الطابور الذي أمامي الآن، لكني كنت لا أجد الكلمات الكبيرة
المعبرة لأقولها للمدير كما أني كنت اتلعثم في كلامي كغيري من صغار الحارة
المتلعثمين الذي يظلون صامتين خوفاً من ضحك الآخرين واستهزائهم، الشمس حارقة، الشمس
غاضبة من سكان الحارة، الشمس ستنفجر بعد قليل هذا ما حاولت أن أقنع به عجوزاً تقف
أمامي في الطابور لكنها لم تكترث لعباراتي كنت الليلة الماضية أقرأ رواية الأديب
"جوسف كونراد" لم أفهم من روايته "قلب الظلام" سوى العبارة التي تقول : "الشمس
حارقة جداً في افريقيا" لم أفهم بقية الرواية، كانت هذه العبارة كافية لعكسها على
واقع الحارة والطابور الذي انضممت له غصباً عني حاولت اقتباس هذه العبارة وأصرخ بها
في هذا الطابور الممل لكن لم يفهم قصدي أحد تعبت الانتظار حان وقت الصلاة لم يهرع
للصلاة أحد، حان وقت الغداء لم يأكل أحد، حان وقت القات لكن لم أجد حولي رجلاً
يخزن، استغربت هل نحن في رمضان؟؟ لا لا أعتقد كنت سأصوم كالبقية إلا أنني كنت أرتشف
بين الفينة والآخرى بعض قطرات من الماء، الطابور طويل وقد انتابتني نوبة من الجنان
والضجر أصوات تتعالى من كل مكان رحمت وقتها أذناي المتعبتين من كثر سماع الكلام
تمنيت سكيناً لأقطعهما حتى ترتاحان من كل الموجات الصوتية التافهة التي تدخلهما
صدفة أو غصباً، رأيت سكين من بعيد لكني كنت أقصرهم في الطابور، أردت هذه السكين
وبشدة قررت حينها الموت من أجلها، دفعت من كان أمامي في الطابور لم أكترث بتلك
العجوز التي تعثرت ووقعت، كان الهدف تلك السكني ليس من أجل قطع أذنيَّ وحسب وإنما
شعور قوي إنتابني وقتها بأن هذه السكين فيها خلاصي الوحيد وخلاص هذا الطابور ، مع
مدافعتي للأمام عرفت ما يدور في أول الطابور، كان أحدهم يخطب في القوم بأن الشمس
ستصبح أكثر حرارة عما سبق فعلى الجميع النزول الأنفاق التي تحت الأرض للاختباء
وعليكم أخذ ما يكفيكم من الطعام والشراب، هناك جماعة آخرى كانوا يفرقون الغذاء
للناس بدى لي هذا المشهد مسروقاً من فيلم أمريكي شهير يتحدث عن نهاية العالم، بدا
لي الآن هذا الطابور أكثر منطقية إلا أن الناس في المؤخرة الذين كنت معهم لا يعرفون
السبب الحقيقي للوقوف أخشى انسحابهم السريع لمنازلهم قبل استعدادهم للكارثة التي
ستصيب الأرض بسبب الشمس، لن أكثرت بأحد الأجدر بهم أن يعرفوا السبب الحقيقي للطابور
قبل الوقوف فيه، لا لن أكترث بهم كل ما أريده هو تلك السكين أريدها وبشده آخشى على
التفاحة في يدي من أن تسرق قبل أكلها والتفاح الأخضر مفيد جداً للصحة وفيه مضادات
للأكسدة تقي من حرارة الشمس، ما هي إلا لحظات حتى وجدت السكين في يدي، على أن أقطع
تفاحتي سريعاً وأكلها قبل أن يشاركني فيها أحد من هؤلاء البؤساء حولي آكلها كلها،
الآن منتشر مضادات الأكسدة داخلي جهازي المناعي سيقيني بالطبع من حرارة الشمس لأن
الشمس فوق هذا الطابور حارقة جدا لا أدري كيف سيحتملها جسدي المتعب في الساعات
القادمة إلا أن يحين دوري لأخذ حصتي من الغداء والنزول إلى تحت الأرض آخ تذكرت الآن
أن علي التأكد أولاً من وجود تلك الأنفاق فقد مضى زمن طويل منذ أن ضربت الأرض تلك
القنابل الذرية ذلك اليوم أذكر اختبائي تحت الأرض كنت أحمل وقتها تفاحة وسكيناً
كهذا اليوم بالضبط، أحدهم أخبرني وقتها بأن التفاح يحتوي على مضادات الأكسدة التي
تقي الجلد من تشوهات القنابل الذرية وشظايا الصواريخ أصبحت الآن أكثر أطمائناناً
فسكيني في يدي وتفاحتي في بطني ولم تعد تخفيني الشمس الحارقة!!..