;

إنما الأمم الأخلاق 1573

2010-08-17 04:53:10

نبيل
مصطفى الدفعي


المشاجرة أو العراك أو المضرابة كما
يسمونها في الأسواق والشوارع والحارات في بلادنا من الظواهر الاجتماعية التي يراها
الناس مرات كل يوم دون فهم جوهرها بل ودون أدنى رغبة في الوصول إلى هذا الجوهر وذلك
ليقينهم الخاطئ بأنها ظواهر لا معنى لها.

فمن يراقب المشاجرة أو المضرابة يرى الطرفين يتبادلان الشتائم وقد
يشتبكان بالأيدي ويرى الناس تتدخل ويدهش كل الدهشة لحماقة طرفي الصراع ، فهما من
ناحية يريدان التشاجر لكنهم من ناحية أخرى يرحبان بتدخل الناس لفض النزاع والناس
تنجح عادة في ذلك فتنتهي المعركة ويمضي كل من الطرفين إلى سبيله السؤال الغريب الذي
يطرأ ..
فلماذا إذن كل ما حدث مادامت النهاية معروفه مسبقاً للجميع؟ لكن الأمر
ليس على هذه البساطة فمضرابة أو عراك الشارع به جوانبه الأخلاقية العميقة التي لا
بفطن لها المتسرعون في الحكم لاكتفائهم برؤية القشور دون محاولة النفاد إلى لب
الظاهرة، فما حدث من تدخل الناس هو أسلوب فعال لحل نوع خطير من المشاكل التي تتسم
بالاستفزاز المتبادل والتي قد تتطور بسرعة إلى اشتباك دموي والناس في بلادنا اليمن
لا تتدخل هكذا اعتباطاً ولا تفعل ما تفعله بدافع المزاج أو الصدفة وإنما هم قد
تدربوا على ممارسة أسلوبهم من مئات السنين وهو أسلوب يمني عبقري جدير حقاً بالإعجاب
وأن كنت أعترف بأنني لم أتنبه من قبل إلى ذكائه وعبقريته ولا أدري أن كان غيري قد
سبقني إلى ذلك وتلخص هذا الأسلوب في انقسام المتفرجين دون اتفاق سابق إلى مجموعتين
تحيط كل منهم بأحد الطرفين من كل جانب وتعمل مستقلة تماماً عن الأخرى في تهدئة
الطرف الذي تحيط به ومناشدته بأن يكون أكثر حكمة وتعقلا عن الآخر وأن يصفح ويعفو،
وبذلك يتم رد الاعتبار لكل من الطرفين فيتناسى كلاهما بعد أن أصبح في مركز الاهتمام
الضرر المعنوي والمادي الذي قد يكون الأخر قد ألحقه به وكما أن أخطر أنواع الأذى
التي لا ينساها الإنسان سريعاً هو الأذى بالكلام، فإن أحسن وسيله للعلاج هي أيضاً
رد الاعتبار بالكلام.
لكن ليس في هذا الذي وصفته تكمن عبقرية الحل اليمني وإنما
هي تكمن في أمرين أولهما أن المجتمع وإن بدا طيباً حكيما هكذا فهو مع ذلك يمتلك
سلطة لا يستهان بها ولا يتردد أيضا في ممارستها إذا رفض أحد الطرفين الوساطة، ألا
وهي الاستنكار استنكار عدم الاستجابة لنداء كل هؤلاءالناس الذين انفقوا ا لوقت
والجهد دون رغبة في كسب أو شكر، فمن يضرب بهذا كله عرض الحائط هو عديم الأصل أو
ناكر الجميل لا يرضى بالسلام وإنما يبحث عن الشر وهو وحدة المسؤول عن كل ما يحدث
بعد ذلك نتيجة لعناده، أي أن المجتمع يدين في النهاية من لا يستجيب للوساطة بغض
النظر عن عدالة هذا الحكم أو عدم عدالته، وهذا بالضبط هو الأمر الثاني الذي تكمن
فيه عبقرية الحل اليمني، فالناس ليسوا من الجنون أو البلاهة بحيث يبحثون ولو لحظة
واحدة عن حل عادل وإنما هم لواقعيتهم على يقين تام من استحالة الوصول إلى حل عادل
بل ويدركون أيضاً أن الحل العاجل بالذات أن كان ممكناً لن يجد قبولاً عند كل من
الطرفين..
فما هو إذن البديل؟ البديل هو مصالحة كل طرفي على حدة ومصالحته على
حساب الطرف الآخر مع تذكرته بإن الله يرى ويسمع ويمهل ولا يهمل وأن ترك الأمر لله
وحدة قد يعني التأجيل لكنه لا يعني أبداً ضياع الحق لكل الحل اليمني ليس الجانب
الأخلاقي الوحيد لعراك الشارع فالوجه الأكثر إيجابية هو الشتائم نفسها، فهذا الذي
وصف الثاني بأنه قليل الأدب وهذا الثاني الذي اعتبر هذا الوصف أهانة ما بعدها
أهانة، هذا وذاك كأهل الكهف هذا وذاك يشبهان إنساناً كان نائم ثم أفاق
فجأة..
نعم فجأة وبلا مقدمات أصبحت قلة الأدب فعلاً قلة أدب فجأة وبعد أن كان كل
منهما قد نسى ذلك أو كاد أن ينساه أصبحت قلة الأدب أسوأ ما يمكن أن يوصف به إنسان
وقد أكد رد فعل الثاني صحة توقعات الأول فهو لا يرضى أبداً بأن يوصف بمثل هذا الوصف
، فأغلب البشر في العالم أصبحوا على اقتناع تتفاوت درجاته بأن الكذب ضرورة لا يمكن
الاستغناء عنها غير أن استخدام كلمة كاذب كإهانة وإحساس من وجهت إليه فعلاً
بالإهانة كل هذا يدل على أن الدنيا مازالت بخير وأنه مازالت هناك أخلاق وضمير لم
يمت والكذب مازال سلوكاً يحقر صاحبه والصدق مازال قيمة وفضيلة مثل الشجاعة وحسن
التربية واحترام حقوق الغير.
وتعبير الشتائم بالذات باستثناء نوع "ابن ......"
عن استمرارية التزامنا بالأخلاق والقيم هو أمر يدعو للدهشة حقاً ذلك، لأن هذا
الالتزام لا ينبع من داخل النفس البشرية الأمارة بالسوء وإنما مصدره هو المجتمع
وحده الذي يدين ببقائه إلى هذا الالتزام، كما أدرك أحمد شوقي عند ما قال" إنما
الأمم الأخلاق"..
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد