الاستجوابية الساخنة لمعالي وزير الداخلية وكنا قد تطرقنا في مقال سابق بعنوان
"وزير الداخلية هل هو الجاني أم المجني عليه" إلى تلك الهجمة الجائرة التي تعرض لها
الرجل في وقت يحتدم فيه غليان الشارع نتيجة لأوضاع متدهورة يجثم عليها شبح الغلاء
ويكتم أنفاسها أخطبوط الفساد ويشعل فتيلها كل مستفيد من بقاء الأمور كما هي عليه في
ظل غياب النظام والقانون واسترخاء
هيئة مكافحة الفساد وما نلمسه من تقاعس عجيب في أداء بعض الوزارات لواجبها على
الوجه الأكمل وما يقابله من صمت رهيب إزاء التعامل مع هذا الظرف الذي تمر به البلاد
بمنتهى البرودة والفور في وقت أحوج ما يكون فيه الجميع للتكاتف والتلاحم وتكملة كل
وزارة لقصور الأخرى ولإصلاح ما يمكن إصلاحه لا أن نحمل وزارة بعينها تبعات تقصير
بقية الوزارات حتى يزج بها في قفص الاتهام لأنها أكثر الوزارة التي يدفع أبنائها
الثمن باهضاً جراء ما يتعرضون له أثناء تأدية واجبهم إثر الاصطدامات والاحتكاكات
المباشرة مع شارع يضج ونفوس تغلي وفساد يستشري وخدمات مفقودة وواقع كل ما فيه يبعث
على التشاؤم ومع كل ما يتعرضون له بين الحين والآخر نتيجة لموجات المد والجزر التي
تحدث هنا أو هناك إلا أنهم يسطرون أروع الملاحم في الثبات والشجاعة ورغم الأخطار
المحددقة بهم من كل حدب وصوب لا لذنب اقترفوه أو جرم ارتكبوه هؤلاء الجنود المجهولة
التي تؤدي واجبها في الميدان وتبذل كل ما بوسعها للحفاظ على الأمن والاستقرار
وتقابل بالجحود والنكران الذي قد يرافقه ظلم من نوع آخر عندما يدفعون ضريبة أداء
الواجب فيعيشون في صمت ويموتون في صمت لا يأبه بهم فتجدهم في نهاية الأمر نكرة
تتخبط عائلاتهم في الحصول على معاشاتهم ومع ذلك لا تلمس التردد والتخاذل من قبل
بقية المنتسبين فالإيمان الصادق واليقين الجازم هو وحدة لسان حالهم إذ لا ينتظرون
جزاءً ولا شكورا كونهم ببساطة من أبناء هذا الشعب يعيشون معاناته ويكتوون بلهيبه
ويتجرعون منغصاته، ألم نقل أنه قد كتب عليهم دفع الثمن مضاعفاً من قيمة الهرم حتى
قاعدته مهما قدموا من تضحيات وما بذلوا من جهود، أما المثير في تلك الجلسة هو
التطرق إلى جملة من القضايا الهامة التي بحاجة إلى وقفة جادة لإيجاد المعالجات
فضلاً عن بعض القضايا التي أغفلت سهواً رغم أهميتها البالغة والتي سنخصها بالحديث
لاحقاً.
ويمكن أن نقول أن إصلاح الأجهزة الأمنية خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر أمر
غير منطقي ويتطلب معجزة خارقة فالجوع كافر والفقر حاسر والشيطان شاطر لما يئس من أن
يعبد في جزيرة العرب فاجتهد في التحريش بين العباد كما ورد في حديث لرسولنا الكريم
عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فيما معناه "أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة
العرب ولكنه لم ييأس من التحريش بينكم، وها هو اليوم قد جلب علينا بخيله ورجله لما
وجد في النفوس ضعفاً وفي الإيمان قصوراً وفي التقوى فتوراً وبيننا وبين خالقنا
بعداً .
ولذا لإننا نوجه دعوتنا لوزارة الأوقاف والإرشاد التي نأمل أن تفعل
دورها وتؤدي واجبها بالصورة المثلى وتعمل على إيقاض مدراء مكاتبها الذين يقطون في
سباتهم فضلاً عن تقصير خطباء وعلماء ومشائح وحفاظ وكل من أتاه الله العلم في تبليغ
الرسالة الحقة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لإنقاذ ما يكن إنقاذه قبل
أن يستفحل الداء وينتشر القتل بين أبناء العقيدة الواحدة ممن يعتنقون دين الإسلام
والاستتسلام لخير دليل على التقصير وغياب التركيز والحث على التآخي والتآزر
والتعاون والمحبة والقيم الفاضلة المتسارعة فالمسلم ببساطة من سلم المسلمون من يده
ولسانه فهل نحن كذلك وهل نستحق هذه الصفة؟ .
ولذا فإن أردنا الإصلاح والارتقاء
بالواقع المعيشي فلا بد من العودة إلى الله سبحانه وتعالى وإخلاص النية التي أن
صلحت وصدقت ربها لتنزلت علينا بركات السماء ولجنبنا الله الخوف والجوع ونقص الأموال
ونقص في والثمرات فكل ما نعانيه هو نتيجة للبعد عن الله فهو يبتلي العباد بما كسبت
أيدي الناس من أكبر مسؤول في جهاز الدولة إلى أبسط موظف فيها لا يتقى الله في أداء
واجبه بل يمضي مستغلاً وظيفته في السلب والنهب والرشوة وأكل الربا والتهافت على
القروض التي توعد الله سبحانه وتعالى صاحبها بحرب من الله ورسوله ومحق للبركة
والخسران المبين فضلاً عن الأعمال المخلة بالأمن والسكنية العامة وكلها أمور ناتجة
عن جعل الناس بأمور دينها وبعدها عن ربها مع أننا جميعاً على يقين تام أننا لن نخرج
من دنيا البشر الفانية الا بقطعة قماش بيضاء مخلفين وراءنا ما لهثنا في جمعة
أعواماً طوال ونحاسب عليه حساباً دقيقاً في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها.
أتمنى أن يبادر كل من بنفسه ذرة إيمان في استغلال الشهر الفضيل بالتوبة
عن كل ما اقترفت يداه وأن يكف كل مفسد عن التمادي في الفساد ويضع الله نصب عينه
كلما زين له الشيطان الاستحواذ على الملكيات العامة أو الخاصة فالفساد يلهب الفتن
ويشعل الحرائق وهو أشد فتكاً وخطورة من الحراك ومن ظن غير ذلك فإنه وأهم فما الحراك
إلا نتيجة مترتبة عن نتيجة لظلم ومعاناة حقيقة عاشتها وتعيشها شرائح مختلفة في
المجتمع لم تجد أمامها إلا دروباً مسدودة تتضور جوعاً وتتمزق كمداً دون أن يأبه لها
أحد تعيش على فتات لا يسمن ولا يغني من جوع وتعجز عن توفير الغذاء والكساء والعلاج
بل وحتى التعليم لأطفالها الذين يجوبون الشوارع ويتسولون لقمة عيشهم ثم يأتي من
يستغل ذلك ويصب الزيت على النار.
وفي الأخير فإن الإصلاحات أكانت أمنية أو غيرها
هي في الحقيقة مسؤولية جماعية وليست محصورة على جهة بعينها بل تحتاج إلى تضافر
الجهود وبما أن اليد والواحدة لا تصفق بل تعجز عنه تماماً فحري بالجميع والأمر كذلك
أن يقوم بواجبه تجاه مجتمعه وأمته بالصورة التي ترضي ضميره وتجعله يشعر بطعم الراحة
وهنأ العيش ولذة الطمأنينة فمن من لا يتمنى أن يسود الأمن والاستقرار وأن يعم الخير
الرخاء ويسود الوئام والتراحم وأن يصحو على واقع يبعث على الأمل والتفائل ويشعرك
بنبض الحياة ولذة الوجود ورضى المولى عز وجل علينا فمن منا لا يخشى الله في سره
وجهره ومن مناغني عن رحمة ربه ومغفرته؟ الإجابة هنا تطبيقية ليست نظرية ورمضان كريم
وكل عام والجميع بخير وسلام.
وللحديث صلة إن شاء الله تعالى..