باراك أوباما
استضافة مآدب الإفطار.
مثلما نستضيف حفلات عيد الميلاد المجيد، واحتفالات عشية
عيد الفصح اليهودي، واحتفالات الديوالي الهندوسية أيضاً.
هذه أحداث
مهمة.
إنها تبين دور الدين في حياة الشعب الأميركي وتذكرنا بالحقيقة الأساسية
وهي أننا جميعاً عباد الله وأننا جميعاً نستمد القوة والإحساس بالهدف من
معتقداتنا.
وهذه الأحداث هي أيضاً
تأكيد لهويتنا كأميركيين.
لقد فهم آباؤنا المؤسسون أن أفضل سبيل لتكريم مكانة
الدين في حياة شعبنا هو حماية حرية هذا الشعب في ممارسة عقائده الدينية.
وفي
قانون فرجينيا الخاص بتأسيس الحرية الدينية، كتب توماس جفرسون - وأنا أنقل عنه -
«إن جميع البشر سيكونون أحراراً في المجاهرة بآرائهم في أمور الدين والتأكيد عليها
بالدليل والحجة».
كما أن التعديل الأول لدستورنا سن الحرية الدينية كقانون
للبلاد.
وظل هذا الحق مدعّماً وسارياً منذ ذلك الحين.
والواقع أن الدين، عبر
تاريخنا، ازدهر داخل حدودنا بالتحديد لأن الأميركيين كان لهم الحق في العبادة كما
يشاؤون- بما في ذلك الحق بألا يؤمنوا بأي دين على الإطلاق.
وليس أدل على حكمة
آبائنا المؤسسين من أن أميركا ظلت متدينة للغاية، أمة يستطيع أبناؤها من مختلف
الأديان التعايش بسلام وباحترام متبادل على نقيض النزاعات الدينية المتواترة حول
العالم.
ولكن هذا لا يعني أن الدين لا يدور حوله الخلاف والجدل.
ففي الآونة
الأخيرة تركز الاهتمام على بناء المساجد في مجتمعات معينة، خاصة في
نيويورك.
وينبغي علينا جميعاً أن ندرك ونحترم الحساسيات المتعلقة بالتطور
العمراني في منطقة مانهاتن السفلى.
إن هجمات 11 سبتمبر/ أيلول كانت حدثاً أليماً
للغاية لأمتنا.
ولا يسعنا أن نتصور مدى الألم والمعاناة اللذين ألما بأولئك
الذين فقدوا أحباءهم.
إذاً أنا أتفهم المشاعر التي يثيرها هذا الموضوع.
إن
هذا الموقع هو بالفعل أرض مبجلة.
لكن اسمحوا لي بأن أكون واضحاً: إنني كمواطن،
وكرئيس أؤمن بأن للمسلمين نفس الحق في ممارسة عقيدتهم الدينية وبناء دور عبادتهم
كأي شخص آخر في هذا البلد.
وهذا يتضمن الحق في بناء مكان للعبادة ومركز للجالية
على أرض مملوكة ملكية خاصة في منطقة مانهاتن السفلى، بما يتمشى مع القوانين المحلية
والإجراءات المعتادة.
هذه أميركا.
وإن التزامنا بالحرية الدينية يجب ألا
يتزعزع.
ومبدأ أن اتباع جميع الأديان مرحّب بهم في هذا البلد، وأنهم لن يُعاملوا
معاملة مختلفة من جانب حكومتهم، مبدأ أساسي لتأكيد هويتنا.
إن تعاليم الآباء
المؤسسين يجب أن تظل باقية.
ويجب علينا ألا ننسى على الإطلاق الذين فقدناهم
بأسلوب مأساوي فظيع يوم 11 سبتمبر، ويجب علينا أن نكرّم دائما الذين قادوا الرد على
ذلك الهجوم -ابتداءً من رجال الإطفاء الذين تسلقوا سلالم الإنقاذ التي كان يغلفها
دخان الحريق، إلى جنودنا الذين يخدمون في أفغانستان الآن- ، ولنتذكر أيضاً من هو
العدو الذي نحاربه، وما هي الغاية التي نحارب من أجلها.
إن أعداءنا لا يحترمون
أي حرية دينية.
وإن قضية القاعدة ليست الإسلام -إنها تشويه فاضح وجسيم
للإسلام.
وهؤلاء ليسوا زعماء دينيين- إنهم إرهابيون يغتالون الرجال والنساء
والأطفال الأبرياء.
والواقع أن القاعدة قتلت من المسلمين أكثر مما قتلت من أتباع
أي دين آخر- وقائمة الضحايا تتضمن مسلمين أبرياء قُتلوا يوم 11 سبتمبر.
إذاً،
هؤلاء هم الذين نحاربهم - والسبب الذي سيجعلنا نكسب هذه الحرب لا يكمن ببساطة في
قوة أسلحتنا - إنما هو يكمن في متانة قيمنا.
إنها الديمقراطية التي ندعمها،
والحريات التي نعتز بها، والقوانين التي نطبقها دون أي اعتبار للعرق أو الدين أو
الثروة أو المكانة، وقدرتنا على إبداء، ليس التسامح فحسب، ولكن الاحترام أيضاً تجاه
من يختلفون عنا - وأسلوب معيشتنا التي في جوهرها عقيدة أميركية تتنافى بصورة صارخة
مع أسلوب العدمية لأولئك الذين هاجمونا صبيحة ذلك اليوم من شهر سبتمبر ولا يزالون
يخططون ضدنا اليوم.
في خطاب التنصيب الذي ألقيته، قلت إن في تراثنا الفسيفسائي
المتنوع قوة وليس ضعفا.
فنحن أمة من المسيحيين والمسلمين واليهود والهندوس، وغير
المؤمنين بأي دين.
ونتشكل من كل لغة وثقافة نستمدها من كل أركان
المعمورة.
وقد يحدث هذا التنوع جدلا وخلافات صعبة وهذا ليس فريداً في
زماننا.
فقد شهدت عهود الماضي خلافات حول بناء المعابد اليهودية أو الكنائس
الكاثوليكية.
ولكن في كل مرة بعد أخرى، أظهر الشعب الأميركي أنه قادر على حل هذه
القضايا وعلى أن يبقى وفياً لقيمنا الجوهرية ويخرج أقوى تأييدا لها.
وهكذا يجب
أن تكون، وستكون الأمور اليوم.
والليلة نتذكر أن رمضان احتفاء بدين عرف عنه
التنوع العظيم.
وأن رمضان تذكرة بأن الإسلام يظل على الدوام جزءاً من
أميركا.
وكان أول سفير مسلم لدى الولايات المتحدة من تونس وقد استضافه الرئيس
جيفرسون الذي أقام مأدبة عشاء عند غروب الشمس نظراً لأن ذلك كان خلال شهر رمضان-
مما يجعل ذلك أول إفطار رمضاني يقام في البيت الأبيض وتم منذ أكثر من مئتي
سنة.
وقد قدمت إلى هنا الأجيال المسلمة مثلها مثل الكثير من المهاجرين الآخرين،
لتشكل مستقبلها.
وصاروا مزارعين وتجاراً وعملوا في الطواحين والمعامل
والمصانع.
ساعدوا في مد خطوط السكك الحديد وساعدوا في بناء أميركا.
وأسسوا
أول مركز إسلامي في مدينة نيويورك في تسعينيات القرن التاسع عشر، وبنوا أول مسجد في
أميركا في سهول ولاية نورث داكوتا.
ولعله أقدم مسجد متواصل الوجود في أميركا،
وأقدم مسجد لا يزال قيد الاستخدام اليوم مسجد في سيدار رابيدز في ولاية
أيوا.
واليوم، تتعزز أمتنا وتزداد قوة على يد الملايين من الأميركيين
المسلمين.
فهم يبدعون في كل مناحي الحياة.
إن الجاليات الأميركية المسلمة
-بما في ذلك المساجد المنتشرة في جميع الولايات الخمسين- تقدم خدمات
لجيرانها.
ويعمل الأميركيون المسلمون على حماية مجتمعاتنا بالانخراط في قوات
الشرطة وفي فرق الإطفاء وفي عناصر النجدة.
وقد جاهر رجال الدين المسلمون
بمناهضتهم للإرهاب والتطرف، مؤكدين مجدداً على أن تعاليم الإسلام تنص على أنه يجب
على الإنسان الحفاظ على النفس البشرية، وليس إزهاقها.
إن أبناء الجالية المسلمة
الأميركيين يخدمون بكل شرف في صفوف قواتنا المسلحة.
وسيتم في حفل الإفطار
الرمضاني الذي سيقام بمقر وزارة الدفاع تكريم الجنود الثلاثة الذين ضحوا بحياتهم في
العراق والآن ترقد جثامينهم في مثواها الأخير مع سائر الأبطال في مقبرة آرلينغتون
القومية.
لقد مات هؤلاء الأميركيون المسلمون ذوداً عن الأمن الذي نعول عليه،
والحريات التي نعتز بها.
إنهم جزء من قوافل متواصلة من الأميركيين تمتد إلى حقبة
المؤسسين؛ إنهم الأميركيون من جميع الأديان الذين خدموا وضحوا من أجل أن يمددوا
ويوصلوا وعد أميركا إلى الأجيال الجديدة، ويضمنوا بأن الشيء الاستثنائي الذي تتميز
به أميركا محمي ومصان - ألا وهو التزامنا بأن نبقى صادقين ومخلصين لمبادئنا
الأساسية، وبالعمل -ولو ببطء ولكن بثبات- من أجل أن يكون اتحادنا أقرب إلى
الكمال.
لكي نبقى دائما «أمة واحدة لا تتجزأ في ظل العناية الإلهية» ولا يمكن أن
نحقق «الحرية والعدالة للجميع» إلا إذا كنا ملتزمين بهذه القاعدة الموجودة في صلب
كل الأديان الكبرى، بما فيها الإسلام، وهو أن نحب للآخرين ما نحب
لأنفسنا.
وأتمنى لكم شهر رمضان مباركاً.