بقلم:
ستيفن كتون
ستيفن كتون
(أستاذ الدراسات العربية المعاصرة
في جامعة هارفارد) أخبار اليوم - ترجمة خاصة غالبا ما تتحدث الصحافة والدوائر
السياسية عن الجمهورية اليمنية كاعتبارها مجتمع على حافة الانهيار وكانت في العام
الماضي كصومال أخرى.
هذه الرؤية تقوم إلى حد كبير على معطيين اثنين:
الأول الضعف
المفترض لدولتها والثاني الفوضى المفترضة لقبائلها التي تشكل الأكثرية في المجموعات
العرقية، منهم حوالي 75 بالمائة مزارعين في الجبال و5 بالمائة بدو رحل في الصحراء
الشرقية.
بافتراض أنها على وشك الانهيار، فيُنظر إلى اليمن كساحة معطوبة
تقع تحت سيطرة المنظمات الإرهابية مثل القاعدة التي تهدد أمن أمريكا
والمنطقة.
دعونا ننظر كيف تُدار القبيلة والدولة والقانون والصراع في اليمن الذي
على ما يبدو أن القلة من المحللين يدركون هذه العملية حينما يذكرون هذه الأشياء
الأربعة.
ربما يعطينا التاريخ بعض الأشياء المنظورة.
فالدولة كانت موجودة في
اليمن منذ آلاف السنين بما كان يُعرف بدولة سبأ التي بنت سد مأرب، موطن ملكة سبأ
ذات السمعة الطيبة.
أو إقامة الدولة الإسلامية بعد وقت قصير من ظهور الإسلام
والتي استمرت لمدة ألف عام أو الدولة الجمهورية التي خرجت إلى حيز الوجود في عام
1962 ومستمرة حتى يومنا هذا، على الرغم من وجود حربين أهليتين مريرتين.
مما لا
شك فيه أن الدولة تعاظمت وضعفت في السلطة وتضاءلت وتوسعت في المساحة الجغرافية خلال
هذا التاريخ وواجهت خصوم شديدين من الخارج بدءا من الرومان وآخرها تنظيم القاعدة،
لكنها لم تنهار كليا أو تختفي من الصورة أو المشهد.
ومن غير المرجح أن يحدث ذلك
في الوقت الحاضر على الرغم من الحُجج التي تقول إن النظام الحالي قد وصل إلى نقطة
حرجة وعلى وشك أن ينهار بسبب وجود عدد غير مسبوق من المشاكل المستعصية التي
يواجهها، متمثلة في اقتصاد يزداد ضعفا واستهلاكا للمياه لا يمكن تحمله وتراجع متوقع
لاحتياطي النفط والصراعات بين الدولة وبعض السكان المحليين والفساد المستشري ولا
تنسوا القاعدة.
وإلى أولئك الذين سيقولون لي: "كيف عرفت أنها ليست على كف
عفريت؟" يمكنني الرد فقط بهذا السؤال: "وكيف عرفتم أنها على كف عفريت؟" ولنسترجع
التاريخ اليمني.
فماذا يعني أن تكون دولة ضعيفة في اليمن المعاصر؟ مرة أخرى، جزء
من المنظور التاريخي هو مفيد، على الرغم أننا لسنا بحاجة للعودة إلى 3000
عام.
عندما وصل الرئيس اليمني الحالي علي عبد الله صالح إلى السلطة في عام 1978،
أتذكر أن المغتربين اليمنيين أخذوا يراهنون على أنه لن يستمر في السلطة عاما
كاملا.
لكنه لم يتمكن فقط من توسيع سلطته الشخصية، بل نجح أيضا في توطيد وتوسيع
وجود الدولة في البلاد.
في عام 1978، كانت هناك بعض نقاط التفتيش العسكرية
المتمركزة على طول الطرق السريعة في اليمن، فقد تمكنت من الذهاب من العاصمة صنعاء
إلى مدينة مأرب غرب البلاد وعلى طويل الطريق استوقفتني سلطات الدولة مرتين.
الآن
هناك عشرات من النقاط التفتيشية للتدقيق في بطاقات الهوية.
ويمكن رؤية المواقع
العسكرية على معظم قمم الجبال.
وهناك نظام إداري يُدير الأعمال التجارية للدولة
حتى في أكثر المناطق النائية من البلاد.
الطرق المعبدة والمدارس التي تديرها
الدولة أو تلك التي تتلقى رعاية خاصة والعيادات والمستشفيات تُظهر جانبا مختلفا
لسلطة وشرعية الدولة، ربما لأنها أكثر فعالية ونجاحا في التغلغل داخل الحياة
اليومية للناس.
في كثير من الأحيان لا يتم أخذ مثل هذه الأشياء في الحسبان عندما
تؤكد الصحافة الغربية بأن الدولة بالكاد يستطيع السيطرة على العاصمة وحدها وهي
بعيدة عن المناطق النائية.
إن سلطة القبائل في اليمن هي أمر حيوي لفهم الدولة
وقدرتها على العمل.
تاريخيا عملت الدولة اليمنية مع المجموعات القبلية لتأمين
أراضي البلاد، فالتكتلان القبليان الأكثر قوة في البلاد، حاشد وبكيل، كانا يُسميان
أجنحة الإمام، وهو الملك السابق لليمن، لأنه كان يدعوهم إلى الدفاع عن الحدود بدلا
من إرسال الجيش، وينطبق الشيء نفسه اليوم عندما تدعو الدولة القبائل الموالية لها
للمساعدة في محاربة المتمردين الحوثيين في شمال البلاد.
وكوسيلة لجذب الجزء
الجنوبي من البلاد للالتآم في إطار الدولة المركزية بعد الحرب الأهلية الثانية في
عام 1994، شرع النظام الحالي في إنعاش القبلية في هذا الجزء من البلاد، تماما مثلما
قام الاشتراكيون في نفس الجزء من البلاد بقمع الوجود القبلي، غالبا بوحشية، لأنهم
ظنوا أن القبائل تقليديين أو مناهضين للتقدمية.
ومن المهم أيضا أن نأخذ في
الاعتبار أن معظم الجيش اليمني يتكون من رجال القبائل الذين يعتمدون على المرتبات
للإنفاق على أسرهم، بالرغم من ضئالتها.
ويشكل رجال القبائل جزءا كبيرا من
الاقتصاد في المدن، سواء الرسمية وغير الرسمية.
وغالبية أعضاء البرلمان
المنتخبون هم شيوخ القبائل.
بالنسبة لنا، قد يبدو هذا التعايش بين القبيلة
والدولة محيرا، فغالبا ما يُنظر للاثنين على أنهما متناقضان لبعضهم البعض: فالقبائل
تعتز بالشرف والحكم الذاتي والدولة تُعتبر تهددا لسلامة هذين الشيئين، ففي حالة
الحكم الذاتي قد يكون هذا واضحا، لكن في حالة الشرف فإن المنطق الثقافي يقول إن أي
شخص أو أي شيء يكون أكثر قوة منك فله القدرة على وضعك في موضع خطر أو
مخزي.
والأكثر دهشة هي فكرة أن الدولة ينبغي عليها أن تعتمد على القبائل في بعض
المناطق لتحافظ على السلام والنظام، لكن من المسلم به أن القبائل هي بطبيعتها خارجة
عن القانون ومدمنة على العداء.
في الواقع، هناك ثلاثة أنظمة مختلفة للقانون في
اليمن، القانون القبلي أو العرف والشريعة والقانون المدني.
عادة ما يتم تسوية
الصراعات ليس بالإكراه ولكن بالإقناع وسيادة القانون.
تتعايش الأنظمة القانونية
الثلاثة بدون كثير من التداخل مع بعضها البعض، طالما توافقت القبلية والقوانين
المدنية مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتبرز أكثر أو تخفت في المجالات الخاصة
بها.
وحتى عندما يقول مسئول في الدولة: "هذا شأن قبلي" فليس بالضرورة أنه تهرب
من المسؤولية في التعامل مع الصراع ولكنه اعتراف باستقلال ذاتي نسبي للقبائل، كما
أنه اعتراف بأحكامها الخاصة في الفصل في المنازعات التي ينبغي على الدولة ألا
تتعدها.
إنها مثل الحكومة الأمريكية التي تعترف بحقوق الولاية أو سلطة الولاية
بدلا من القانون الفدرالي.
وليس هناك خلاف على بروز مشاكل في النظام القبلي،
فيمكن أن يطعن النظام الأخرى في الحكم القبلي حتى يتم التوصل إلى حل.
ولذلك من
الصعب معرفة ماذا يعني بعض الناس عندما يؤكدون على "عدم وجود سيادة القانون" في
المناطق القبلية الشاسعة في البلاد.
إن الأمل يحدوني بأنه من خلال النظر في بعض
الأحداث الجارية في اليمن بهذا التاريخ وهذه السياقات، قد نصل إلى تفاهمات أكثر دقة
وأكثر وضوحا لهذه الأنظمة.
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
في جامعة هارفارد) أخبار اليوم - ترجمة خاصة غالبا ما تتحدث الصحافة والدوائر
السياسية عن الجمهورية اليمنية كاعتبارها مجتمع على حافة الانهيار وكانت في العام
الماضي كصومال أخرى.
هذه الرؤية تقوم إلى حد كبير على معطيين اثنين:
الأول الضعف
المفترض لدولتها والثاني الفوضى المفترضة لقبائلها التي تشكل الأكثرية في المجموعات
العرقية، منهم حوالي 75 بالمائة مزارعين في الجبال و5 بالمائة بدو رحل في الصحراء
الشرقية.
بافتراض أنها على وشك الانهيار، فيُنظر إلى اليمن كساحة معطوبة
تقع تحت سيطرة المنظمات الإرهابية مثل القاعدة التي تهدد أمن أمريكا
والمنطقة.
دعونا ننظر كيف تُدار القبيلة والدولة والقانون والصراع في اليمن الذي
على ما يبدو أن القلة من المحللين يدركون هذه العملية حينما يذكرون هذه الأشياء
الأربعة.
ربما يعطينا التاريخ بعض الأشياء المنظورة.
فالدولة كانت موجودة في
اليمن منذ آلاف السنين بما كان يُعرف بدولة سبأ التي بنت سد مأرب، موطن ملكة سبأ
ذات السمعة الطيبة.
أو إقامة الدولة الإسلامية بعد وقت قصير من ظهور الإسلام
والتي استمرت لمدة ألف عام أو الدولة الجمهورية التي خرجت إلى حيز الوجود في عام
1962 ومستمرة حتى يومنا هذا، على الرغم من وجود حربين أهليتين مريرتين.
مما لا
شك فيه أن الدولة تعاظمت وضعفت في السلطة وتضاءلت وتوسعت في المساحة الجغرافية خلال
هذا التاريخ وواجهت خصوم شديدين من الخارج بدءا من الرومان وآخرها تنظيم القاعدة،
لكنها لم تنهار كليا أو تختفي من الصورة أو المشهد.
ومن غير المرجح أن يحدث ذلك
في الوقت الحاضر على الرغم من الحُجج التي تقول إن النظام الحالي قد وصل إلى نقطة
حرجة وعلى وشك أن ينهار بسبب وجود عدد غير مسبوق من المشاكل المستعصية التي
يواجهها، متمثلة في اقتصاد يزداد ضعفا واستهلاكا للمياه لا يمكن تحمله وتراجع متوقع
لاحتياطي النفط والصراعات بين الدولة وبعض السكان المحليين والفساد المستشري ولا
تنسوا القاعدة.
وإلى أولئك الذين سيقولون لي: "كيف عرفت أنها ليست على كف
عفريت؟" يمكنني الرد فقط بهذا السؤال: "وكيف عرفتم أنها على كف عفريت؟" ولنسترجع
التاريخ اليمني.
فماذا يعني أن تكون دولة ضعيفة في اليمن المعاصر؟ مرة أخرى، جزء
من المنظور التاريخي هو مفيد، على الرغم أننا لسنا بحاجة للعودة إلى 3000
عام.
عندما وصل الرئيس اليمني الحالي علي عبد الله صالح إلى السلطة في عام 1978،
أتذكر أن المغتربين اليمنيين أخذوا يراهنون على أنه لن يستمر في السلطة عاما
كاملا.
لكنه لم يتمكن فقط من توسيع سلطته الشخصية، بل نجح أيضا في توطيد وتوسيع
وجود الدولة في البلاد.
في عام 1978، كانت هناك بعض نقاط التفتيش العسكرية
المتمركزة على طول الطرق السريعة في اليمن، فقد تمكنت من الذهاب من العاصمة صنعاء
إلى مدينة مأرب غرب البلاد وعلى طويل الطريق استوقفتني سلطات الدولة مرتين.
الآن
هناك عشرات من النقاط التفتيشية للتدقيق في بطاقات الهوية.
ويمكن رؤية المواقع
العسكرية على معظم قمم الجبال.
وهناك نظام إداري يُدير الأعمال التجارية للدولة
حتى في أكثر المناطق النائية من البلاد.
الطرق المعبدة والمدارس التي تديرها
الدولة أو تلك التي تتلقى رعاية خاصة والعيادات والمستشفيات تُظهر جانبا مختلفا
لسلطة وشرعية الدولة، ربما لأنها أكثر فعالية ونجاحا في التغلغل داخل الحياة
اليومية للناس.
في كثير من الأحيان لا يتم أخذ مثل هذه الأشياء في الحسبان عندما
تؤكد الصحافة الغربية بأن الدولة بالكاد يستطيع السيطرة على العاصمة وحدها وهي
بعيدة عن المناطق النائية.
إن سلطة القبائل في اليمن هي أمر حيوي لفهم الدولة
وقدرتها على العمل.
تاريخيا عملت الدولة اليمنية مع المجموعات القبلية لتأمين
أراضي البلاد، فالتكتلان القبليان الأكثر قوة في البلاد، حاشد وبكيل، كانا يُسميان
أجنحة الإمام، وهو الملك السابق لليمن، لأنه كان يدعوهم إلى الدفاع عن الحدود بدلا
من إرسال الجيش، وينطبق الشيء نفسه اليوم عندما تدعو الدولة القبائل الموالية لها
للمساعدة في محاربة المتمردين الحوثيين في شمال البلاد.
وكوسيلة لجذب الجزء
الجنوبي من البلاد للالتآم في إطار الدولة المركزية بعد الحرب الأهلية الثانية في
عام 1994، شرع النظام الحالي في إنعاش القبلية في هذا الجزء من البلاد، تماما مثلما
قام الاشتراكيون في نفس الجزء من البلاد بقمع الوجود القبلي، غالبا بوحشية، لأنهم
ظنوا أن القبائل تقليديين أو مناهضين للتقدمية.
ومن المهم أيضا أن نأخذ في
الاعتبار أن معظم الجيش اليمني يتكون من رجال القبائل الذين يعتمدون على المرتبات
للإنفاق على أسرهم، بالرغم من ضئالتها.
ويشكل رجال القبائل جزءا كبيرا من
الاقتصاد في المدن، سواء الرسمية وغير الرسمية.
وغالبية أعضاء البرلمان
المنتخبون هم شيوخ القبائل.
بالنسبة لنا، قد يبدو هذا التعايش بين القبيلة
والدولة محيرا، فغالبا ما يُنظر للاثنين على أنهما متناقضان لبعضهم البعض: فالقبائل
تعتز بالشرف والحكم الذاتي والدولة تُعتبر تهددا لسلامة هذين الشيئين، ففي حالة
الحكم الذاتي قد يكون هذا واضحا، لكن في حالة الشرف فإن المنطق الثقافي يقول إن أي
شخص أو أي شيء يكون أكثر قوة منك فله القدرة على وضعك في موضع خطر أو
مخزي.
والأكثر دهشة هي فكرة أن الدولة ينبغي عليها أن تعتمد على القبائل في بعض
المناطق لتحافظ على السلام والنظام، لكن من المسلم به أن القبائل هي بطبيعتها خارجة
عن القانون ومدمنة على العداء.
في الواقع، هناك ثلاثة أنظمة مختلفة للقانون في
اليمن، القانون القبلي أو العرف والشريعة والقانون المدني.
عادة ما يتم تسوية
الصراعات ليس بالإكراه ولكن بالإقناع وسيادة القانون.
تتعايش الأنظمة القانونية
الثلاثة بدون كثير من التداخل مع بعضها البعض، طالما توافقت القبلية والقوانين
المدنية مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتبرز أكثر أو تخفت في المجالات الخاصة
بها.
وحتى عندما يقول مسئول في الدولة: "هذا شأن قبلي" فليس بالضرورة أنه تهرب
من المسؤولية في التعامل مع الصراع ولكنه اعتراف باستقلال ذاتي نسبي للقبائل، كما
أنه اعتراف بأحكامها الخاصة في الفصل في المنازعات التي ينبغي على الدولة ألا
تتعدها.
إنها مثل الحكومة الأمريكية التي تعترف بحقوق الولاية أو سلطة الولاية
بدلا من القانون الفدرالي.
وليس هناك خلاف على بروز مشاكل في النظام القبلي،
فيمكن أن يطعن النظام الأخرى في الحكم القبلي حتى يتم التوصل إلى حل.
ولذلك من
الصعب معرفة ماذا يعني بعض الناس عندما يؤكدون على "عدم وجود سيادة القانون" في
المناطق القبلية الشاسعة في البلاد.
إن الأمل يحدوني بأنه من خلال النظر في بعض
الأحداث الجارية في اليمن بهذا التاريخ وهذه السياقات، قد نصل إلى تفاهمات أكثر دقة
وأكثر وضوحا لهذه الأنظمة.
مجلة فورين بوليسي الأمريكية