كنت شقية جداً في طفولتي وفضولية أكثر ( وما زلت لكن قليلاً) , لا يفوتني شيء إلا وأعرف عن تفاصيله وقادني فضولي ذلك اليوم وأنا وحيدة في المنزل إلى مغلقة باب إحدى الغرف لاكتشفها.. ولسوء الحظ انكسرت في يدي من تلقاء نفسها ( يعني إني بريئة ) ولا أخفيكم أن أمي كان عقابها قاسياً جداً ولا ترحم ومؤكد أنها ستعاقبني على فعلتي هذه ..حاولت إصلاحها ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل .. كنت حينها تقريبا في العاشرة من عمري .
وبعد لحظات من اليأس وبالفطرة السليمة التي فطرها الله علينا منذ ولادتنا والتي هي فطرة بيضاء نقية لا تشوبها شائبة وببراءة طفلة توجهت إلى الله في تلك اللحظات العصيبة ..مددت السجادة وجثوت على ركبتيّ وبدأت أدعو ربي أن يعيد مغلقة الباب كما كانت.. أتخيل عندما كنت أدعو بإصرار ورجاء.. وأيضاً باشتراط ومن بعض ما كنت أقول (يا رب أرجوك أن يرجع الباب كما كان وأنا أعدك وعداً قاطعاً باني سأصلي كل يوم وفي المقابل إن لم يرجع فلن أصلي أبدا "لا تلوموني كنت طفلة وهكذا أفكر" .
أكملت دعائي وطويت السجادة وبعدها توجهت إلى الباب (المخلوع) وأنا بغاية الارتياح والسعادة لأني سأنجو من العقاب وفي ظني أن كل شيء عاد إلى ما كان عليه قبلا ..ولكن للأسف ما زال مكسوراً!.. لم أتوقع ذلك ..غضبت جداً وزاد قلقي , لماذا لم يستجب الله دعواي؟ حزنت كثيرا ظناً مني أن الله لا يحبني ويرضيه عقاب أمي لي وإلا لكان استجاب لي وأنقذني من الورطة التي أنا فيها فهو سبحانه يقدر على كل شيء .. أي شيء , يقول للشيء كن فيكون ؟!.
ولكن قلت في نفسي لأصبر قليلا.. وانتظرت خمس دقائق وبعدها ذهبت ناحية الباب وأنا مغمضة العينيين لأفاجئ نفسي بعودته كما كان ولكن عندما وصلت وفتحته من لهفتي خيل إلي انه عاد كما كان .
قلبي كاد يطير من الفرحة لان الله استجاب لي ..لم أصدق ما رأيت ..ولكن سرعان ما تلاشت فرحتي حين طاح المغلق من يدي كاملاً وهوى صريعاً على الأرض وزدت الطين بله .
أذكر حينها أني بكيت بحرقة وكنت غاضبة جداً ونويت ألا أصلي بعد اليوم أبداً .. لمْ يستجب لدعائي وتوسلي ..إن الله لا يحبني ..( تذكير : كنت طفلة ) .
لا أتذكر حينها هل عاقبتني أمي أم لا , ولا أتذكر من أصلح ما أعطبت .. ولكني لم أنس هذا الموقف أبدا , ظل عالقا في ذاكرتي ولم يفارق ذهني .
بعدما كبرت قليلا كنت فتاة ذكية فهمت بسرعة أن الأمور لا تسير هكذا وأن الكون تحكمه قواعد وشروط لا يمكن أن تتعدى الخيال برغم أن ربي قادر على صنع المعجزات ويقول للشيء كن فيكون وأن ظني ذاك اليوم أن يعود المغلق كما كان سابقا يُعد ضرباً من الجنون والخروج عن نطاق الطبيعة .
فهمت أن الله سبحانه يهب لكل طائر رزقه ولكن لا يلقيه له في العش .. وأن الله أمرنا بالصبر في الدعاء وعدم استعجاله .
ولا ملامة عليّ لأني حينها كنت طفلة لم تتعدَ العاشرة , ولكن اللوم على أولئك الذين يتصرفون هكذا كل يوم ولكن للأسف ليسوا أطفالاً .. بل رجالاً , ومما صادفني , حتماً أنه الضعف الإيماني .. عندما تقرر فجأة وبدون سابق إنذار أن تتخلى عن مبادئك ..صلواتك ..عباداتك ودعاءك الذي لم ينقطع يوماً لمجرد ضعف ثقتك بربك وتأخر استجابته لدعاء طالما دعوت به في كل سجدة , وتذكر أنه سبحانه ما أشقاك إلا ليسعدك وما حرمك إلا ليتفضل عليك وما ابتلاك إلا لأنه يحبك .
وها أنا الآن تلك الطفلة التي لم تصبر على الاستجابة لدعائها خمس دقائق.. ها أنا الآن صابرة سنوات طويلة أدعو ربي بلا كلل أو ملل أو يأس واثقة أنه يريد لي الخير,, ومحاولة مني تكفير ذنبي ذاك اليوم . كيف خفت من عقاب أمي ولم أخف من الله سبحانه.. وعقابه أشد وأنكى ؟؟
هذه بعض المواقف التي قد تمر بها يوماً ما فتذكر دائماً أن حياتك ستخلق لك فرصاً جديدة وستجدد فيك تلك الإرادة التي افتقدتها يوما ما لتجدد فيها العهد مع الله ولإثبات ذاتك وان هناك ما سيلون حياتك بكل ألوان السعادة والرضا والفرح وهو قربك من الله كثيراً ..وحينها فقط وللمرة الأولى ستكتشف طعم السعادة .
ملاك عبدالله
جُنُونْ طفّلة 2212