زمزم ..فتاة من بني مطر, التقيت بها صدفة ولن تتكرر أبداً على ما أظن .
التقيتها قبل أيام في حفل زفاف ابن جارنا المطري ..أول ما لفت نظري حين دخلت القاعة كان منظر الجميع وهم "مخزّنين" فتيات ونساء "حتى العرائس فوق الكوشة" !! وبما أني لا أعرف أحداً , جلست وحدي أتأمل في خلق الله وما أبدع.
بعد دقائق قليلة اقتربت مني زمزم , فتاة في ربيع العمر وكانت تمضغ بعض القات , جلست بجانبي وتجاذبنا أطراف الحديث ،فبادرتني بالسؤال , هل تخزني : أجبتها بـ " لا " , وأنتي ؟ أجابت : نعم . سألتها وباقي البنات عندكم عادي يخزنوا : أجابتني : ما بيخطينا إلا القات .
سألتها كيف؟ أجابت : نحن في القرية نحظى بعمل دؤوب ومستمر من شروق الشمس حتى غروبها ما بين زرع وحطب وماشية ونقل الماء وحصد المحاصيل وغيرها ..والقات يساعدنا على القيام بهذه الأعمال ،حيث يعطينا الطاقة لتحمل التعب ،إضافة إلى إننا نقطفه من مزارعنا ولا نقوم بشرائه.. طبعاُ بني مطر من أشهر المديريات في زراعة القات .
سألتها كم عمرك ردت: " لا اعلم " ! كيف لا تعلمين أيوجد إنسان لا يعرف كم عاماً مضى من عمره؟ .
سألتها عن دراستها أجابتني إنها تركت الدراسة في الصف الخامس ،بالرغم من أنه لا يوجد إخوان أكبر منها ليمنعوها ولكن تسلط عليها أخوالها واجبروها على ترك الدراسة ،حيث وأن الدراسة عيب ..من وجهة نظرهم ..حاولت مراراً وتكراراً لحبها في التعليم ولكن لا فائدة .. لقد كان قرارا لا رجعة فيه !.
أبدت لي رغبتها في العودة للتعليم وتعلم القراءة والكتابة وباقي المواد الأخرى قلت لها لماذا لا تصممي على رأيك؟ ( باعتبار أني إذا صممت على شي أحصل عليه ) ولكن ردت :لا أمل أبداً!
سألتني عن دراستي ،فعندما أخبرتها أني أكملت دراستي لمعت عيناها ورأيت ذاك البريق يقول ليتها وصلت لما وصلتُ إليه " .
زمزم ليست الوحيدة ،فأكثر فتيات القرى لم يكملن تعليمهن بالرغم من الرغبة الشديدة في العلم وذلك بإرغام من الأهل رغم التقدم الحاصل في وطننا الحبيب إلا أنه ما زالت هناك نظرة قاصرة حول تعليم الفتاة في بعض المناطق ولا ندري متى تزول , ألم يسمعوا بحديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام " طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" !!.
كانت زمزم تحادثني وفي قلبها حرقة وحزن وغصة وهي تقول نفسي أرجع أدرس وأكمل تعليمي ,أقل شي أذاكر لأولادي عندما أتزوج وأنجب وأرفع راسي أمامهم .
كما تعرفون صعب تربية الأولاد والاعتناء بهم ثقافياً وعقلياً وتربوياً من قبلْ أم جاهلة .
أخبرتني كيف تصحو مع أذان الفجر وتذهب إلى الحقل والوادي والغيل مع بنات القرية وهن يتحدثن ويضحكن بكل بساطة ودون تكلف .
حدثتني عن ولع بنات ونساء القرية على حد سواء بالمسلسلات التركية الدارجة هذه الأيام وعدم تفويتهن ولا مشهد في المسلسل .
سألتها هل عندكم نت ؟ ردت وما هو النت ؟ ! أجبتها : انسي الموضوع !! .
الخلاصة أن المتنفس الوحيد لبنات القرى والريف في ظل حرمانهن من الحقوق الأساسية لهن هو القنوات الفضائية والقات .
ولولا ذلك لملأت نفوسهن حزناً وكبداً على حرمانهن من أبسط حقوقهن لعل أبسطها التعليم .
سألتها عما يزرعون : أجابتني أنهم يزرعون البن اليمني الأصيل الغني عن التعريف والذي لا يستغنون عن شربه كل صباح .. ولكن للأسف لعنة القات تهجم و تنهش ما تبقى من مساحات زراعية لزرع البن وذلك لعائدات القات العالية يومياً التي تصل إلى ملايين الريالات للقطفة الواحدة !
إلى جانب البن والقات تُزرع بعض الخضار والفاكهة .
كنت انوي عدم الجلوس لأكثر من ربع ساعة ولكن زمزم أخذتني إلى عوالم أخرى وحلقت بي في أجواء القرية الجميلة وهوائها النقي ولم أتحرك إلا عند أذان المغرب لأعود أدراجي وأتسمر أمام جهازي "المريض" وأنا متيقنة أن لقائي بزمزم كان هو الأول والأخير .. ودعتني بحرارة وتمنت أن نلتقي مرة أخرى !
يا ترى هل ستحقق زمزم حلمها الكبير في التعليم ؟؟
ملاك عبدالله
زمزم .. فتاة القرية ! 2028