يبدو من خطاب الرئيس عمر البشير الأخير الذي ألقاه في جوبا أن السودان سائر لا محالة إلى الانفصال أو هكذا هي القراءة الصريحة والواضحة لكل ما ورد في خطاب البشير الأخير والذي بدا فيه الرجل وقد استسلم للأمر
الواقع ورضخ لكل الاشتراطات ولم يعد أمامه إلا أن يعلن وبدون ضجيج عن ولادة دولة جديدة في جنوب السودان أطلق عليها دولة شقيقة قبل أيام من الاستفتاء.
ومن خلال هذا الخطاب الشهير بدا لي كمتابع وقارئ لما بين السطور أن الرئيس البشير يعلن للعالم أجمع قبوله بانفصال الجنوب، بل بدا في قسمات وجهه وهو يخاطب السلطتين التنفيذية والتشريعية في جوبا انصياعه لهذا الخيار
الصعب والمر وان كان يحاول تلطيف الأجواء بين كل فينة وأخرى بإطلاق النكات.
وليس من قبيل المبالغة القول بان أخر رؤساء السودان الموحد عمر حسن البشير قد حدد سلفاً في هذا الخطاب العلاقة الجديدة بين الشطرين بدءاً من حقوق المواطنة وتقاسم الثروة في مناطق النزاع ومرورا بحقوق القاطنين على
الحدود وانتهاء بترسيم ووضع العلامات الحدودية بين الشطرين.
زيارة البشير المتأخرة جدا بحسب بعض المتابعين لن تؤثر في نتيجة الاستفتاء أو تقرير المصير كما يحلو للجنوبيين أن يطلقوا عليه وان كان البعض قد اعتبرها زيارة مساومة للجنوبيين حول قضيتين جوهريتين في النزاع بين
الشمال والجنوب وهما قضية منطقة أبيى المتنازع عليها بين قبيلتين جنوبية وشمالية، وقضية دارفور الملاحق بها الرئيس البشير دوليا لجرائم ضد الإنسانية كما تزعم التقارير الدولية.
هذا في الوقت الذي ينتظر البشير في حال تحقق الانفصال مصيرا مجهولا شبيها بما واجهه الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري في ثمانينيات القرن الماضي عندما أطيح بحكمه الذي امتد لعقدين ونيف من الزمن وعبر حركة
عصيان مدني شهير قامت به جماهير الشعب السوداني وان كان المتغير الدولي حاضرا هذه المرة ومن يدري قد تصل الأمور، لا سمح الله، حد تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية ليتم محاكمته.
وهو ما كشف عنه الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان السيد حسن الترابي بالقول في وقت سابق إن المعارضة في الشمال قد اتفقت على الإطاحة بنظام عمر البشير عقب إعلان نتائج الاستفتاء وإن رؤساء
الأحزاب السودانية المعارضة “اتفقوا على الإطاحة بنظام الرئيس السوداني عمر البشير سلميا”، مضيفاً أن لجاناً فرعية كلفت أن تهيئ بعد ظهور نتيجة الاستفتاء مباشرة لرؤساء الأحزاب السياسية الأساليب والمناهج التي سوف
تتخذ للإطاحة بحكم البشير”.
وهو ما سيؤدي حسب اعتقادنا إلى خلق بؤرة جديدة للصراع في المنطقة ستساهم بكل تأكيد قوى دولية وإقليمية في تغذيتها وإشعال فتيل الحروب والقلاقل، بل ربما تتمدد رقعة المواجهات وباتجاه الغرب سعياً للتعجيل بانفصال إقليم
دارفور وقبل التقاط الأنفاس.
قبيلتين جنوبية وشمالية، وقضية دارفور الملاحق بها الرئيس البشير دوليا لجرائم ضد الإنسانية كما تزعم التقارير الدولية.
ما لم يكن في الحسبان
المشهد الداخلي السوداني إذاً يزداد تعقيدا والدلائل كلها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن جنوب السودان في طريقه إلى الانفصال لا محالة والذي لم يكن في حسبان القيادة السودانية، حسب اعتقادنا، هو هذه التراتبية والتسارع غير
المسبوق في انفراط عقد السبحة والوصول إلى هذه النتيجة المفزعة وبهذه السرعة، وأكثر ما نخشاه كعرب ان يلحق إقليم دارفور بالجنوب قبل ان يلتقط الأشقاء أنفاسهم خصوصا وان القوى الدولية بزعامة واشنطن وباريس ولندن
وعواصم أوروبية عديدة تصر وبقوة على التدخل المكثف في السودان ولصالح خيارات استقلال الجنوب وكذلك دارفور وعلى غرار إقليم كوسوفو ودول شرق أوروبا والبلطيق.
وما خفي نظن انه كان أعظم بكثير من كل التوقعات والفرضيات والسياسات التي كانت القيادة السودانية تبني أو تقيس مجريات الأحداث بها أو على إثرها. أما العرب فهم خارج إطار اللعبة الدولية أو بالأصح أنهم يغطون في
سبات عميق جداً.
عبدالباسط الشميري
السودان.. ما بعد الانفصال 2030