بنبرات صوت متحشرجة اعترف الرئيس التونسي "بن علي" في الوقت الضائع بأن حاشيته وحكومته وكل المقربين منه بأنهم "غالطوه"، وقال "غالطوني".. وفي الوقت الضائع أيضاً ذهب بن علي إلى التوجيه
بتخفيض أسعار الزيت والسكر والحليب وغيرها من السلع الأساسية، وأعلن على الملأ محادثاً الشعب التونسي بأنه قد فهمهم، وأبلغهم بأنه لن يكون هناك رئيساً مدى الحياة وأنه لن يرشح نفسه في انتخابات 2014.. ونسي
الرئيس بن علي أن ثورة الشعب التونسي الحر كانت نتاج "23" عاماُ من القهر والاضطهاد والقمع وكبت الحريات ولم تكن وليدة اللحظة.
نسي الرئيس بن علي ما معنى أن يكون مئات الآلاف من الشباب المتعلمين والمثقفين ثقافة عالية بمختلف مشاربهم عاطلين عن العمل ،لا يجدون أين يفرغون طاقاتهم.. لم يستوعب بن علي معنى أن يقوم الشاب الخريج من
الجامعة شهيد الحرية "محمد البوعزيزي" بإحراق نفسه أمام الآلاف من زملائه العاطلين ،بعد أن مُنع من مزاولة بيع الخضار في الشارع لكي يستطيع أن يسد رمقه ورمق أمه التي يعولها بلقمة عيش كريمة.
أمام اعتراف الرئيس بن علي بأن حاشيته "غالطوه" يبرز سؤال جد هام.. كم هم الرؤساء في أوطاننا العربية لا يتم مغالتطهم من قبل الأقارب والحاشية ؟! أجزم قطعاً أنه لا يوجد أحد منهم لا يتم مغالطته ،وأجزم قطعاً
أنه يتم مغالطة زعمائنا العرب بإرادتهم وأنهم يدركون جيداً أن الشعوب قد ضاقت بها الأرض بما رحبت وأن القلوب قد وصلت الحناجر ،ولكن لم يشعروا بعد بأن ألسنة اللهب التي اشتعلت في ذلك الجسد الطاهر الذي أبى إلا أن
يعيش بكرامة أو يموت بعز ،في جسد "بوعزيزي" في الـ17 من ديسمبر/كانون الأول 2010م بمدينة "سيدي بوزيد" قد ألهبت ملايين الشباب في الوطن العربي على أقل تقدير.
وأمام هذا الاعتراف أتساءل كم شاب تحتاجه أنظمتنا العربية أن يحرق نفسه كي ترحل دون أن يتم ترحيلها ثم لا يتم قبولها في أي مطار؟ كما هو الحال مع بن علي ومن قبله شاه إيران؟!.
وفي الأخير لا أجد إلا أن أقول.. سلام عليك أيها الشاب الحر يا"بوعزيزي".. سلام على روحك الطاهرة التي لم تقبل إلا العيش بكرامة ،وأفهمتنا نحن شباب العرب معنى كيف تكون التضحية من أجل شعب يتنفس
الحرية ؟ وعلمتنا كيف يكون العيش بكرامة.
سلام عليكم أيها الشعب التونسي الذي رسمت لنا خارطة طريق الحرية.
"سي بوعزيزي" أقول لروحك الطاهرة أن تنام بسلام فقد خلَّدت فينا معنى جمال الحرية الممزوجة بعنفوان الشباب ،الذي يأبى القهر والظلم و الاستبداد ..هنيئاً لك "سي بوعزيزي" أيها الثائر الشاب انتصارك للشعب
التونسي الذي لم يخذلك فكانت كل لفحت لهب مست جسدك الطاهر بمثابة بركان تتفجر حممه في أرواح أولئك الشباب في "سيدي بوزيد ومكناس وقرطاج" وكل المحافظات والمدن التونسية.. فأبوا ألا تمس الدود لفافات
كفنك إلا وقد مزقت أيدهم كل صورة ومعنى للديكتاتورية والظلم والاستبداد.. لكي يرسموا ويخطّوا بدماء زملائك الشهداء ذلك الصباح الجميل الذي عشقته ويعشقه كل إنسان حُر.
فالعزة لك "سي بوعزيزي" ولكل شهداء تونس الخلود.. وللشعب العزة والكرامة وإشراقة أيام لا تعرف القمع وأقسام الشُرط ،وتستنشق شذى الحرية ،تتناول أناملها ندى العيش الكريم.. صباحك جميل يا تونس..
وصباحكم مليء بالقهر والاستبداد أيها العرب النيام!!.
إبراهيم مجاهد
سي بوعزيزي يرسم خارطة الحُرية 2846