من البديهي أن يكون طموح أي فتاة يمنية سواء كانت من الريف أو من المدينة هو أن تتعلم وتكمل دراستها الجامعية كحد أقصى وتتخصص في المجال الذي تحبه وفيما بعد تحقق أحلامها الوردية بما فيها إيجاد فرصة العمل المناسب
في مجالها وقدراتها ومواهبها.
وان تجد المجتمع الواعي الداعم الذي يحترمها وينمي قدراتها.. هل هذه طموحات مستحيلة عزيزي القارئ ؟! .كما هو السائد في عصرنا هذا إن هذه الطموحات العادية جداً باتت ضرباً من المستحيل, واقعنا الأليم
يدفن الإرادة ويقتل الأمل ويفني العزم, والدليل أن فتاة الريف لم تكمل دراستها الجامعية وتكون محظوظة جداً إن هي حصلت على الشهادة الثانوية, ومن الطرف الآخر فتاة المدينة التي درست لسنوات طول وتخرجت بشهادة
مرموقة ولكن لم تجد وظيفة مناسبة وفي مجال تخصصها, وكخيار مستقبلي تقوم بدّس ملفها كآلاف غيرها في أدراج الخدمة المدنية المقاومة للصدأ والذحل (أما العناكب فلا خوف منها) وتسجل اسمها في قائمة الانتظار التي
مستحيل أن تنتهي وكيف يمكن أن تجد الوظيفة وكلاً يعمل في وادي غير واديه, فخريج الهندسة يعمل محاسباً وخريج الطب يعمل طياراً وخريج الزراعة يعمل فراناً؟!.
فهكذا تعودنا دائماً أن نضع الإنسان الغير مناسب في المكان الغير مناسب أبداً.. وكلتا الفتاتين مهمشتين عن جدول أعمال المجتمع وحتى لا يقال أني مجحفة لن ننكر بعض المبادرات من الناحية الثقافية والمهارية والرياضة ولكن
للأسف قليل جداً ولا يكاد يصل إلى الريف ..للأسف فتاة الريف محرومة من الكثير ونحن في عصر الثورة المعلوماتية , رغم أني بنت الريف فلا أتخيل نفسي أن أعيش في الريف بلا جريدة أو تلفاز أو جهاز حاسوب؟!.
وما للأحلام المسجونة في غياهب النسيان إلا أن تتطاير مغادرة كالفراشات الملونة الهاربة نحو الضوء البعيد بلا رجعة بعد انتظار سنوات مريرة مرت بلا إنجاز يذكر..
ما أتعسها تلك الفتاة الطموحة التي أكملت دراستها في تخصص مميز وخرجت مباشرة للبحث عن عمل والبسمة مرسومة على محياها والأمل يشع من عيناها ظناً منها أن الدنيا سوف تضحك لها وتفتح أبوابها على مصراعيها وأنها
سوف تحظى بالعديد من الفرص وستتحرى اختيار الأفضل بما يتناسب مع ما تصبو إليه, والأمّر والأدهى من ذلك أنها كانت تتخيل أن الوظائف من ستبحث عنها وتأتي إليها..؟! ولكن أيّن من هذا لم يحدث.. وبعد طول
انتظار للفرصة الموعودة والحظ السعيد وبعد أن اعتادت النوم ليلاً ونهاراً بعد أن كلت قدماها من عناء البحث وأرُهقت عيناها من أتربة الشوارع .. توجهت إلى إحدى المدارس الأهلية "كغيرها من الخريجين "والتي تتقبلهم
بصدر رحب مدّعم بالأشواك والمضايقات وحريق الأعصاب, وبالرغم من أنها الملاذ الوحيد لهم إلا أنها مقبرة الطموحات ومشنقة الآمال ومحطة النهاية , فالداخل فيها مفقود والخارج منها مولود والذي ينكر نقول له "
اسأل مجرب "!.
وفي الختام ما أجمل الحياة لو كانت أحلامنا خيوطًاً متناثرة تتراقص في السماء مع هبات النسيم وملونة بألوان الفرح والجمال , كل فرد فينا يلتقط أحلامه بكل سهولة ويسر وباللون الذي يروق لنا والأهم من ذلك دون عناء أو
سطوة من أحد..!
ملاك عبدالله
خيوطٌ مُلونة.. 1779