يقول أحد المفكرين "إن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة وإرهاب الناس وجعلهم يقعون تحت نيران الآخرين بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان أي يحتفظ بقدر الإمكان بحقه الطبيعي في الحياة والعمل دون إلحاق الضرر بالغير، الغاية من تأسيس الدولة ليس تحويل الموجودات العاقلة إلى حيوانات أو ألآت صماء.. بل إن المقصود منها إتاحة الفرصة لأبدانهم و عقولهم لتقوم بوظائفها كاملة في آن تام، بحيث يتسنى لهم أن يستخدموا عقولهم استخداماً حراً دون إشهار لأسلحة الحقد أو الغضب أو الخداع بحيث يتعاملون معاً دونما ظلم أو إجحاف".
الغاية من هذه المقدمة عزيزي القارئ توصيل واقع مر ومفروض على بعض المواطنين من قبل البعض "المتمتع بالسلطة".. هذا الواقع متمثل من خلال الاستيلاء والمصادرة لملكيات خاصة تحت مسمى المصلحة العامة.
أي مصلحة عامة تلك التي تأخذ الحقوق على نحو قاهر وبدون أي نص قانوني؟! فالنهب لا يمكن أن يصب في خانة المصلحة العام.. نعم إن ذلك يسمى بالمصطلح القانوني والعقلي "نهباً" لمال وممتلكات المواطنين الآمنين من قبل أفراد يعتبرون أنفسهم فوق القانون ونسوا أن مثل هذه التصرفات تضعف شوكة العدل والحق والمساواة وتضعف هيبة الدولة الحامية للحق والقانون.
إن المصلحة العامة ليست نهباً وسيطرة على كل شيء وعلى كل شبر وفراغ وتحويلها إلى أملاك خاصة فإن منطق القوة والاستقواء على الضعفاء هو منطق غير مقبول في مجتمع يتغنى بالديمقراطية والحرية والمساواة فالقوة لا تدوم والحق لا يضيع.
وإذا لاحظت عزيزي القارئ أن الديمقراطية في بلادنا وجدت في ظل انعدام الثقافة الديمقراطية والتنوير الديمقراطي بمعنى آخر إنه كان لابد من مقدمات للديمقراطية حتى تطبق بشكل صحيح في كافة نواحي الحياة.. فالديمقراطية لدينا لا نلمسها على أرض الواقع وإنما نسمع عنها في الخطب الرنانة والشعارات البراقة.
فنجد الخطابات تشتمل على كافة المفردات الديمقراطية إذ ما نجدها دائماً ما تنادي "بحقوق الإنسان، الديمقراطية، دولة النظام والقانون، توسيع المشاركة الشعبية في صناعة القرار، الشعب مصدر السلطة، الدستور أساس القوانين، إحترام التعددية والرأي والـرأي الآخر، نبذ العنف، العدالة الاجتماعية، الحرية المدنية، حكم الأغلبية واحترام حقوق الأقلية".
الآن لنسأل أنفسنا هل كل ما ذكر من عبارات رنانة ومصطلحات براقة تطبق على أرض الواقع؟!.
بالطبع لا.. ولتعزيز مصداقية ما أقول طبعاً، بالإضافة إلى نهب مال وممتلكات المواطنين بالعنف والقوى تحت مسمى المصلحة العامة، أود أن أناقش معكم مصطلح الانتخابات الديمقراطية.. كنت أتناقش مع أحد الزملاء عن الديمقراطية في الانتخابات وفوجئت بهذا الزميل يستشيط غضباً ويصرخ قائلاً أي ديمقراطية تلك التي تتحدثين عنها.. أذهبي واسألي أي موظف هل ذهب إلى أي انتخابات بطواعية أم تحت التهديد؟! أجبته على الفور قائلة: إنه من غير المعقول أن يذهب أحد للانتخابات تحت التهديد؟! قاطعني قائلاً ليس التهديد بالسلاح وإنما التهديد بالخصم من الراتب فمن يذهب إلى ا لعمل وليس بيده الحبر الذي يؤكد على الانتخاب يتم الاستقطاع من راتبه.. وبما أن الراتب لا يحتمل أي استقطاع.. يذهب الكل للانتخاب، رغماً عنهم.. فأين هي الديمقراطية التي تتحدثين عنها ويتحدثون هم أيضاً عنها فالديمقراطية ليست موجودة إلا بالاسم فقط.
لم أتفوه بكلمة واحدة بعد كل ما سمعته وفي ذات الوقت قررت أن أسأل مثلما قال لي وكان كذلك ووجدت أن كل ما نطق به كان صحيحاً، فأيقنت أن الديمقراطية في بلادنا لا نجدها إلا في الخطابات.
كروان عبد الهادي الشرجبي
الدولة.. والغاية من تأسيسها! 3104