دعني أخي الكريم أسير معك في ترنيم عبر رحلة صغيرة :
فرنسا :
في 1789م كانت انتفاضة الشارع الفرنسي تجتاح باريس بعد أن كانت في عموم المدن الفرنسية، ثورة شعب ضاق ذريعة بالجوع و التنكيل ، و قد قيل حينها إن الملكة "ماريا أنطوانيت" لما وصلها خبر الانتفاضات قالت:
ماذا يريد الناس ؟ قالوا لها : الخبز.. قالت : لماذا لا يأكلون الكيك؟..ولتهدئة هذه الانتفاضة تشكلت الجمعية الوطنية وأعلنت الملكية الدستورية، ولكنها لم تلبي أحلام الشعب الثائر .
في 1792م كانت الثورة تتحول إلى قمة بطشها لتصبح ثورة دموية حمراء ، لم تهدأ إلا بإعدام كل من ينتسب للملكية ، و قامت الجمهورية الأولى ، ولم تدم حتى استمر طوفان الغضب حتى تشكلت الجمهورية الثانية لتهدأ ثورة
الجياع 1799م .
عشر سنوات شهدتها فرنسا ، لتكون عبرة لغيرها من دول أوروبا التي أفاقت على تغيير جديد نحو حقوق الإنسان والحريات التي ستشكل أوروبا الحديثة، وكانت شعلة أشعلت ثورات الجياع . وانتهاء الإقطاعيات .
انتفاضة الأقصى :
بعد كر وفر اندلعت انتفاضة 1987م في فلسطين المحتلة لتدك هدوء الدولة اليهودية والتي أوصلتها لقناعة أن تبدأ مفاوضات ما يعرف بالسلام الذي بدأت في 1991 لتهدأ الانتفاضة المباركة ، والتي هدأت كلياً في 1993م
بتوقيع اتفاقية أوسلو (غزة وأريحا) ، إن انتفاضة الشعب هي التي ساهمت في وصول وعودة القيادات الفلسطينية من الخارج إلى أرض فلسطين والتي أستمر غيابها عن الأرض سنين .
و ما هدأت وتريثت حتى بدأت انتفاضة رجب 1996م والتي ساهمت في بروز حركات لم يكن الناظر إلى الأحداث يتوقع أن تأتي غير فتح لتمثل الشارع الفلسطيني و لكن هذا ما حدث وليكن بداية لتغيير نهج الرئيس/ عرفات
والذي مال على مطالب الجماهير ولهذا تمت إزاحته .
انتفاضة اندونيسيا :
على الرغم ما لـ"سوهارتو" من تاريخ مجيد ، و رغم أنه فاز بالترشيح لولاية جديدة في 1998م وهو رئيس منذ العام 1968م ، ولم يمض على فوزه شهور حتى قامت ثورة الشباب لتجتاح العاصمة جاكرتا ، ولأن "
سوهارتو" فهم الرسالة فقد استقال في أقل من يومين و سلم القيادة مؤقتاً لنائبه حبيبي والذي أعلن انتخابات جديدة و لم يفر "سوهارتو" ولكنه فهم رسالة شعبه ..
تلك يا سادتي ثورات غضب ، وهي ثورات جاءت تلقائية وبدون بيان من الجيش ولا اعتماد على قوة عسكرية ، هذه ثورة الغضب والتي لم يفهما ولم يستوعبها اليوم الكثير من الناس .
تعالوا نعد قليلاً إلى عهد الخلافة ( خلافة عثمان بن عفان ) - رضي الله عنه وأرضاه : والعبرة هي العبرة :
تولى سيدنا عثمان الخلافة وعمره "68" عاماً و استشهد وهو في الـ 82 من عمره أي تولى الخلافة 14 عاماً ، و من غدر به رضي الله عنه ، هم أناس لا يعلمون فضل عثمان ولا من هو عثمان ، أنهم مجموعة من الجهلة
المندسة التي استغلت انتفاضة الناس في عهده رضي الله عنه كما يحدث اليوم حيث يستغل الأوغاد ثورة الرجال ، ويندسون للتخريب ، ولكن عثمان لم يواجه تلك الانتفاضة بالقوة ولكنه ترك الناس يعبرون عما يريدون ، ولكن لم
كان تلك الانتفاضة :
- تميز رضي الله عنه بالجود والكرم ودماثة الخلق والحياء الشديد .
- عين الكثير من أقاربه في الولايات و تناسى الكثير من أهل الصحابة القادرين على توليها .
ورغم هذا فلن أخوض كثيراً في هذه المسألة .. ولكني أحببت أن أقول أن الناس عندما تثور لا تفهم مقدار الرجال .. فالغضب أعمى .
ثورة تونس 2011م : (انتفاضة محرم 1432هـ)
بدأت بقصة عادية من فتى ضاق به الحال من ملاحقة رجال الشرطة والأمن البلدية ، شاب أنهى دراسته ولم يجد عملاً ولأنه فهم أن عليه أن يوفر لنفسه عمل ، عمل في مشروعه الصغير عربة لبائع متجول ، ولأنه لم يعلم لماذا
يطارد ويرفض ؟ لماذا يقهر.. فوصل به الحال ، إلى إحراق نفسه.. فلم يعد في بلاده متسعاً لأمثاله ، وتفجرت الانتفاضة ، من مدن نائية إلى أن وصلت العاصمة في ظل صمت ، وذهول ، واستغراب العالم كله ، القريب
والبعيد ، الصديق والعدو ، ولأن الصدمة لم يصحو منها الناس ، ولم يتعظ منها الكثير ، قالوا إنها حالة خاصة بتونس .. وقيل أن ما حدث هو فوضى خلاقة ولم يكن كذلك.
الفوضى الخلاقة مصطلح انتشر مع غزو العراق ، وهو مصطلح ماسوني ، يقصد بها تكوين حالة اجتماعية و اقتصادية مرغوبة ومريحة بعد أحداث فوضى مقصودة .
وكان هاجس الرئيس/ بوش هو أحداث هذه الفوضى في العراق لأحداث التغيير الديمقراطي دون أن تتدخل القوة العسكرية الأميركية.. ولذا حاول عبر فرق الموت ، والملثمين الذين دخلوا العراق وكأنهم عراقيين
وجماعات مسلحة ، ولكن فشلت فوضى بوش في إحداث الأثر المطلوب حتى تدخلت قوات الجيش الأميركية لأحداث التغيير ، و لكن ذلك صار غزواً .
أما الطرف الخفي في تونس فهو شاب تونسي ، و الاتصالات الحديثة ، علينا أن نعي أن درس تونس يجب أن يدرس جيداً.. والعبرة فيمن يفهمها أولاً.. وليس عنصراً خارجياً أو مدسوساً ومن قام بالتخريب كما رأينا هم
عناصر فاسدة ، تحاول إثارة الشغب ، ورغم هذا لا يمكن أن ننكر أن في كل حركة إنسانية لا بد فيها من خلل و عيب ، وفيها بالفعل وطنيين يعشقون بلادهم وفيها من لا يعي إلا بجوع بطنه .
ما نريد أن نفهمه أن ثورة الجياع انتهت ولن تعود ، اليوم لن تكون ثورات جياع ، وإنما ثورات حقوق ومستحقات .
ما نريد أن نفهمه أن الشارع لا يخلو من وطنيين و عشاق لبلادهم يقدمون أرواحهم ثمناً للوطن والأمة .
أيام الغضب هل بدأت ؟ :
- الشعلة التي اشتعلت في مصر و تنامت يوم الجمعة 28/1/2011م ، تدل على أن أيام الغضب بدأت ، لتعيد لذاكرتي كتاب الدكتور سفر ( يوم الغضب بدأ بانتفاضة رجب ) وهو ينقل عبره أن فلسطين ستعود
ولكن ليس بسلاح الجيش العربي أو المسلم ولكن بانتفاضة الشارع الشعبي العربي ، الذي سيحمل مكنسة ومغرفة ليقاتل بها عدوه ، ليس بيده لا مسدس ولا صاروخ ، وكنت حينها وأنا أقرأ أيعقل أن يخرج الناس ويواجهوا السلاح
العسكري وصدورهم عارية؟ لتنتقل الصورة لي بأن نعم يمكن!! والأيام تقترب والله يعلم ما سيأتي .
- أنا أحترم كل نظام يحمي بلاده و وطنه ، لكن نريد أن نستوعب الدرس كما استوعبت أوربا الدرس . ونحن لسنا أقل منهم .
شكرا و الله المستعان .
ambmacpc@gmail.com
أحمد مبارك بشير
هل بدأت أيام الغضب .. بانتفاضة محرم ؟ 2154