ما الذي باعد بين الرئيس والشعب؟ كان هذا هو أحد الأسئلة التي طرحها المذيع المصري المتألق عمر الليثي مُعدّ ومقدم برنامج "واحد من الناس" مساء الخميس المنصرم، على الدكتور مصطفى الفقي (رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى).. جواب الدكتور الفقي على هذا السؤال كان موفقاً ومختصراً جداً حيث رأى الفقي أن ما أبعد الرئيس المصري مبارك – الذي يتعرض للخلع – عن الشعب المصري الثائر عديد أشياء، أهمها ظهور جيل جديد داخل الحزب الحاكم والسلطة يقودها نجل الرئيس مبارك "جمال" الذي فُتِح أمامه المجال الاقتصادي ليعمل فيه ما يشاء وتطور الأمر بعد ذلك حتى وصل إلى أن تكون هناك قائمة من الوزراء يمثلون فيها هذا الجيل الجديد الصاعد بقيادة جمال مبارك في أي تشكيل حكومي كي يثبتوا للجميع أن "العيال كبرت".. الدكتور الفقي وهو يتحدث حول نقطة بُعد الرئيس عن الشعب أكد أن الحاشية التي تحيط بمبارك من الحزب الحاكم والوزراء كان لديهم كبير الأثر في إيصال مشاعر الكراهية لدى عامة الناس لرئيسهم ويضيف الفقي: إن عدم استماع الرئيس للأشخاص الصادقين واكتفائه بما يُطرح من وزراء ومستشارين كلٌ في مجاله بالإضافة إلى الحاشية ساهموا أيضاً في ذلك.. الدكتور الفقي جعلني أسأل نفسي عن أي رئيس يتحدث وأي قيادات وأي حزب حاكم وأي حاشية وأي جيل جديد؟

ليضيف بعد ذلك الدكتور الفقي: إن قضية الشخصنة التي بدأ الرئيس التعامل بها في تحديد مواقف تجاه قضايا البلد لعبت أيضاً دوراً خَلقَ حالة الكراهية لدى الشعب.

أشياء كثيرة ذكرها الفقيه في ردّه لكني لم أستطع أن أتذكر إلا ذلك الجزء سالف الذكر مع العلم أن بقية الكلام يخرج عن الأقرباء والأتباع والحاشية والحكومة الفاسدة والحزب الحاكم، أقول هذا لكي لا يذهب البعض إلى القول إنني اختزلت الأسباب في ما ذُكِر فقط، رغم أني تجنبت الخوف وتصرفت في التفاصيل التي تحدث عنها الدكتور الفقي لكل نقطة سيما بعض ممارسات الجيل الجديد والحاشية..

هكذا إذاً فعلت الحاشية والحكومة الفاسدة ووزراء الحصص وشلة الجيل الجديد في إبعاد مبارك عن شعبه وما إن أتت الفرصة لشعب قاهرة المُعز ومصر جمال عبدالناصر حتى عبَّر عن مشاعره تجاه المسؤول الأول في البلاد عن كل الأوضاع التي يعيشونها: فساد، ظلم، قهر، ذل، خوف، تسلُّط، أقارب وحاشية تأكل خيرات البلاد وتعيث في الأرض فساداً، وطوارئ لم تُلغَ منذ ثلاثين عاماً، ناهيكم عن الوضع الاقتصادي المتردي وحالة العَوَز وانتشار الفقر والبطالة بشكل مخيف – بالطبع مش مثل اليمن – كل هذا وأشياء أخرى مفجعة يعيشها المواطن المصري يومياً ورئيسه مبارك لا يشعر بشيء من هذا طبعاً والفضل في هذا يعود إلى الأسباب المذكورة آنفاً؟! أو بتعبير أدق الأشخاص الذين شكلوا جداراً عازلاً وسياجاً فولاذياً - كذلك الجدار الذي كان نظام مبارك يعتزم بناءه لكي يُحِكم به الحصار على إخوانه الفلسطينيين في غزة، وليخلق حالة العُزلة بين الرئيس والشعب حتى جاء الموعد الحسم ليعبّروا له عن مشاعرهم تجاهه وإلى أي مدى وصل كرههم له حيث أنهم لم يعودوا قابلين حتى بأن يُنهي فترته الرئاسية الأخيرة التي ستنتهي عقب بضعة أشهر..

بين حالة العُزلة التي أوجدها أولئك الأشخاص بين الشعب والرئيس ثمة أشياء كثيرة تُخلَق، فالجدار الذي حاجزاً بين الرئيس والشعب صنع ثورة الغضب، والاستحواذ على السلطة وخيرات البلاد من قبل الجيل الجديد والحاشية أوجد الشباب الثائر الذي يريد العيش بكرامة ورفع شعارات: "شُغل، حرية، عدالة اجتماعية، الشعب يريد إسقاط النظام، ارحل، ارحل...الخ الشعارات الثائرة، الساخطة التي لطالما احتقنت في النفوس لتثور فجأة وتندفع كالحمم البركانية لا يقف في طريقها شيء.

مرايا

- من رحم الاستبداد والقهر والطغيان تولد وتتفجر الثورات، ومن رحم الاستحواذ وتسلُّط الفرد تتوحد الأضداد والتوجهات لتحقيق هدف واحد لا ثاني له ومن تعدد معانيه وتوصيفاته.

- من رحم الفقر والجوع والظلم تشرق النفوس الأبية التي تحلم بعيش كريم.

- من رحم الديكتاتورية والتشبث بكرسي الحكم تتخلق روح وعنفوان الشباب الثائر لتحطم كل شيء أمامها له صلة بحاكم استهوى العيش على حساب كرامة ورقي وتقدم وتحضر شعبه.

- من رحم ثقافة الحزب الحاكم الواحد واستحواذ ثلةٍ من الفاسدين المقربين على مقدرات الشعب تُشعُّ شمس الحرية وتهب الشعوب نحو التغيير أياً كان هذا التغير لتيقُّنها بأن الآتي سيكون أفضل وأجمل بكثير، ولن يكون على أقل تقدير كسابقه..