سأواصل الحديث معكم حسبما وعدتكم عن الفساد الإداري.. هذا الفساد الذي غزى واستوطن ، وبما أنه يتم التحدث عن التغيير والتصحيح فلابد أن يتم التصحيح بالفطناء على هذا الفساد لأنه من أخطر الأمراض التي تصيب
الأجهزة الإدارية للدولة لما تسببه من انحراف قيمي وسلوكي لدى العاملين في هذه الأجهزة تنعكس على أجهزة الدولة ليحرفها عن تحقيق أهدافها في التنمية والتقدم.
وفي اليمن بدأت حالات الفساد وقد تفشت داخل الاجهزة الإدارية عن طريق الرشوة والوساطة وسوء استخدام السلطة والروتين والمحسوبية ونهب المال العام والمحاباة وإذا ما لاحظت عزيزي القارئ أن أشكال الفساد أنفة الذكر
لم أخترعها فهي موجودة أساساً.. فإذا ما تحدثنا عن الرشوة أنها تبدأ بالرشوة الكبيرة الذي يدخل فيها مسؤولون ذو درجات عالية حيث يقوم هؤلاء المسؤولون بالسماح لتوريدات أو مشروعات غير ضرورية على حساب
الأولويات الهامة وأيضاً هنالك الرشاوي التي تعطى في المناقصات الحكومية الكبرى ، أما الرشاوي الصغرى فهي يتم أخذها من قبل المسؤولين الأصغر من أجل اتخاذ إجراءات سريعة لمعاملة ما ، أو لانجاز عمل وعدم الاعتراض
عليه أو تسيير معاملة تنقصها إجراءات ضرورية.
وإذا لاحظت عزيزي القارئ أنه حتى الموظف الصغير أو البسيط يلجأ أحياناً لأخذ الرشوة.. وهذا الموظف على الرغم من أن عمله هذا خاطئ إلا أنني أجد أو التمس له العذر.. فالرواتب الهزيلة والضئيلة للموظف
البسيط تكون أحياناً هي الدافع وراء ارتكابه أو قيامه بأخذ الرشوة ونحن في اليمن نلجأ إلى الرشوة للقضاء على الروتين الذي يعرقل كافة الأمور فمن يدفع لا يسري عليه الروتين ومن لا يدفع نظراً لضيق الحال يجد الروتين أمامه
في كل خطوة يتخطاها.
وإذا تحدثنا عن المحسوبية فالكل يعاني منها.. فنحن هنا في اليمن نعاني من تسييس الوظيفة العامة لصالح حزب أو انتماء شخصي أو قبلي ولا يتم لدينا الأخذ بمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب فدائماً ما يتم الاختيار في
الوظائف العامة والمناصب العالية الأشخاص بالمحسوبية وهذه كارثة حقيقية لأن هؤلاء من يتم اختيارهم يسيؤون استخدام السلطة ويقومون بممارسات مخالفة للقانون ويعملون على تحقيق مكاسبهم الشخصية بدلاً من السعي لتحقيق
المكاسب للمصلحة العامة.. فتجدهم يقيمون المشاريع الوهمية.. فلا قانون يردعهم وهم فوق القانون ولهم العديد من الصلاحيات التي تعطيهم الحق باللعب بالمال وإهداره لأغراض شخصية والتصرف بها على غير وجه
حق وتحت مسميات مختلفة وقد يلجأ العديد من هؤلاء المسؤولون لتعيين أقربائهم وإعطاءهم امتيازات وحقوقاً وحرمان الموظفين من تلك التي تعطى للأقرباء والأصدقاء والأصحاب والأحباب بل قد يذهب البعض إلى إبعاد الطاقم
الإداري السابق بأكمله إذا ما تم تعيينه في منصب قيادي ويعين موظفين تابعين له سواء كانوا من أقربائه أو من قبيلته أو حتى أقارب زوجته، المهم أن يكون الطاقم الإداري الجديد من الأفراد المقربين له وهؤلاء طبعاً يقومون بدور
الواسطة إذا أحتاج الإنسان إلى تعيين أحد أبنائه أو حتى إذا احتاج المرء إلى توقيع بعض الأوراق فيكون عن طريق هؤلاء.. فنحن في اليمن أصبحنا نحتاج إلى فيتامين "واو" اختصار لكلمة واسطة من أجل أن نسير كافة
شؤون حياتنا حتى العادية .. فإذا لم يكن لك معروفاً في أي مرفق من المرافق فاعرف أنك خاسر على الفور لا محالة أما أذا كان لديك هذا الفيتامين فأنت من المحظوظين وخصوصاً أذا كنت من الباحثين عن الوظيفة التي
أصبحت حلم كل شاب وكم من شاب شآب وشاخ ولم يتحصل على الوظيفة؟
إن الفساد أصاب الناس بخيبة أمل لأنه يرى الأموال تضيع والتي يمكن استغلالها في إقامة مشروع يخدمهم..وأصيب بالاكتئاب لأن الفساد جعل العدل يتراجع وجعل الفقر يتزايد والتكافؤ الاجتماعي ينعدم ، وأصيب بالحزن والقهر
لأنه يرى الثروات والسلطة تتركز في أيدي فئة معينة "الأقلية" التي تمتلك المال والسلطة على حساب فئة "الأكثرية".
إن هذه الفئة فئة الأكثرية هم الشعب الذين بسبب هذا الفساد فقدوا الثقة بالنظام الاجتماعي والسياسي وفقدوا الشعور بالمواطنة والانتماء القائم على علاقة تعاقدية بين الفرد والدولة.
إذن لا بد من القضاء التام على كل شكل من أشكال الفساد الإداري إذا كنا نسعى من أجل التغيير.
كروان عبد الهادي الشرجبي
محاربة الفساد الإداري أولى خطوات التغيير 2232