أخيراً انتصر الشعب المصري.. أخيراً تأكد للعالم أجمع بأن إرادة الشعوب لا تقهر.. أخيراً اقتنع العالم بأن الثورات لا تصنعها النخب المنشغلة بتقاسم المصالح والتي تعمل وفق مفهوم المحاصصة.. نعم أخيراً أثبت شباب مصر "العاطلين" المثقفين، الخريجين، الجوعى" ممن يعيشون تحت خط الفقر وهم السواد الأعظم، الذين يعشقون الحرية، ويتطلعون لعيش كريم" أنهم قلب الأمة النابض" الذي سيعيد لجسد الأمة العربية عافيته وصحته ويضبط نبضات قلبها.. أخيراً استجاب القدر لإخواننا في مصر عندما أراد شبابها وشعبها الحياة الكريمة..
عشرون يوماً تزيد وتنقص حاول خلالها الرئيس المخلوع "حسني مبارك" أن يصمد أمام شعب "قاهرة المعز" متناسياً أن أرض الكنانة هي منطلق الثورات، ومنها تشع شمس الحريات، وأن أم الدنيا تأبى أن يبقى فيها نظام عاجز وفاسد وعميل، وأن عظمة هذا الشعب الحي الحضاري عصية على الانكسار أمام نظام قمعي، تسلطي، فردي استباح والتهم كل شيء.
أخيراً تحقق للشعب المصري ما يريد ونفض عن كاهله ديكتاتوراً كان ينظر إلى نظامه بأنه الصخرة التي لا تتزحزح، ولكن اليوم آمن الجميع بأن الأصوات عندما تزمجر بها حناجر المظلومين والمقهورين والمسحوقين والمعدمين، المفتقدين لمقومات أبسط أساسيات الحياة الكريمة من أبناء الطبقة الوسطى ـ بعيداً عن التأطير الايدلوجي والحزبي ـ تتحول هذه الأصوات قذائف ومدافع لتفتت وتحرق كل ما هو متحجر، وتحوله إلى فتات ورماد، وتسمع من به صمم، وتنطق الأبكم.. بهكذا إرادة تكسر الحديد انتصر شباب "قاهرة المعز"، بهكذا ثورة طاهرة لم تتلطخ أيدي مشعليها بدم حرام ينقشع الظلم ، بهكذا شعوب تحرر الأمم من طواغيتها وجبابرتها، بهكذا شباب لم يلتفتوا إلى مساومات المعارضة ومناورات ومغريات السلطة الزائفة تنعتق الشعوب، لأنهم يدركون أن مصر التي يريدونها ويريدها كل العرب يجب أن تكون بعيدة عن أي مصالح ضيقة أو مساومات.
أمس الجمعة بعد أن أنهى الشعب المصري "جمعة الصمود" وقبلها جمعتي "الرحيل والغضب" أنهى معها ثلاثة عقود كانت هي الأسود في تاريخ مصر، وبات المصريون أمس ليلتهم بدون مبارك لأول مرة منذ ثلاثين عاماً، ليكتبوا تاريخاً جديداً لمصر الكرامة والعزة.
إذاً هكذا هي نتيجة من يحاول أن يزور إرادة الشعب، ويحاول أن يسحق تطلعات نفوس شباب تاقوا للتغيير ولو عبر خدعة الصنادقين "الانتخابات" وعندما لم يكن هذا لهم عبر الديمقراطية، خرج الشباب بقلوبهم وهي تنبض بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وأثبتوا أن بأياديهم وأفئدتهم البيضاء قادرين على إحداث التغيير بـ"ثورة بيضاء" بياضها فاق بياض وعزوبة مياه النبيل العظيم، تدفقوا على جميع ميادين الحرية والتحرير وحولوا جميع المدن والمحافظات المصرية إلى مصبات وأحواض تتجمع فيها ينابيع سيول نيل الحرية، لتشكل بعدها فيضاناً يحطم عروش الظلم والطغيان.
عاشت مصر حرة، عزيزة، قاهرة.. وعاش شعبها كريماً عظيماً حراً بعد أن خلع جلابيب الاستبداد..
صباحك فرائحي يا مصر.. صباحكم "نادي" يا أبناء قاهرة المعز.. صباحك جميل أيها الجيش الوطني المصري الذي علمتنا معنى أن يكون الولاء للأوطان وليس للأشخاص.
إبراهيم مجاهد
عزيزة يا مصر 2098