لقد أخذت الثورة الشبابية العربية في انطلاقتها طابعاً جديداً لم تعرفه الأوطان العربية من قبل انه طابع السلم بدلا من العنف الذي لم يحقق أي هدف على مسار تاريخ الأنظمة العربية الحاكمة , والجديد في تلك الثورة أيضا أنها اشتملت على مطالب إنسانية ولم تفرق في مطالبها بين الإنسان المسلم وغير المسلم، بل اشتملت على الحقوق والحريات وتحرير الإنسان.. فهي ثورة الإنسان التي جسدت إنسان الثورة، فلم تخضع للمطالب الحزبية ولا السياسية وهذا اعتقد أنة سر النجاح الذي حققته تلك الثورة.
تلك الثورة لم ولان يستطيع أن يقف في وجهها أي نظام قمعي مهما بلغت قوته ومهما تطاول في دكتاتوريته , تلك الثورة الشبابية لن تنصاع للمصالح الشخصية ولن تحتكم للاستبداد ولن تحيد عن العدل والمساواة ولن ترضى لها حاكماً لا يحمل همومها ولا يداوي جراحها ولا يتحسس ألامها ولا يحقق أمالها , لن ترضى أن تحكمها القوة ولن ترتض لها حاكماً يستأثر بالثروة هو وأقربائه وذويه , حاكما يحول مكتسبات الشعب إلى ملكيته الخاصة .
لقد مررت في ميدان التحرير.. حيث السيارات الفارهة والخيام الواسعة والمياه الباردة والأشربة بأنواعها ولكني رأيت وجوهاً غير راضية عما تقوم به، فهي تائهة لأنها بلا هدف أنها تهتف للحاكم وتحمل صور الحاكم ولكن ليس حباً فيه وإنما حباً فيما لديه, هناك فرق بينهم وبين من رايتهم في ساحة الجامعة، فالذين في التحرير اغلبهم كباراً في السن وأهدافهم مادية، أما الذين في ساحة الجامعة فهم شباب في الغالب ومطالبهم سامية, هناك فرق وفرق شاسع.
إن الأنظمة العربية بنت لها أجهزة أمنية وعسكرية وأنصار شعبية للحماية الخاصة ولكنها بنتها على أساس الحاجة كما يفعل زعيم العصابات.. فهم يخلصون للمادة عباداً للدينار والدرهم ولكنهم سرعان ما يفشلون لان مبادئهم خالية من القيم، منعدمة الضمير، تائهة عن الانتماء مفلسة من الإخلاص.. فماذا تراهم يحققون ؟!.
أما الشباب الثائر فإنهم ماضون في تحقيق ما يصبون إليه بإخلاص وتفاني، شباب يبحث عنهم الدينار والدرهم وهم يبحثون عن القيم والمبادئ، همومهم لا تقاس بالماديات ولا تزن بالثروات , ثورات شبابية قد وحدت شعاراتها من الخليج إلى المحيط ورسمت خططها وأعلنت ثورتها وحددت وجهتها وستحقق أهدافها وتنال مطالبها بإذن الله .
ثورة شبابية تجاوزت الأحقاد ورفضت الانتقام، ثورة ماضية لتحرير الإنسان الحاكم والمحكوم ثورة شبابية انتزعت حقوقها انتزاعاً بعد أن تعبت من الاستجداء وانتظرت حتى ضاقت من كثرة الوعود ويئست من تحقيق ما تصبو إليه في ظل تلك الأنظمة الفاسدة.. فانطلقت على بركة الله .
ثورة شبابية لا تبحث عن الشهرة بل الشهرة تبحث عنها ولا يصنعها التاريخ، بل هي التي تصنع التاريخ برسالتها , ثورة شبابية لا تخيفها التهديدات ولا تثنيها المدافع والدبابات ولا يرعبها أزيز الطائرات ولا تضعفها الإغراءات , ثورة شبابية سئمت البطالة وكرهت الكذب والدجل والترهيب والترغيب، ثورة شبابية أخذت من التهديدات إصرارها ومن القمع وقودها ومن دم الشهداء نبراسا يضيء طريقها , تستطيل كلما ضربت وتتكاتف كلما قمعت وتهرول في صعودها إلى القمم العالية كلما جوعت.
ثورة شبابية استصغرت التسلح بالبندقيات والعنف وآثرت السلم وتسلحت بالمبادئ والقيم العالية التي لا تعلوها الطائرات ولا يصل إليها رصاص البندقيات لان الأسلحة المادية تنتهي ذخيرتها أما أسلحة المبادئ والقيم فلا تنتهي ذخيرتها مهما تقادم عهدها حتى إذا انتهى أصحابها.
سلام سالم أبوجاهل
ثورة شبابية ومشاعر إنسانية 1798