لم يفهم بعد الحزب الحاكم والسلطة أن شباب اليوم غير شباب الأمس وأن الشعب قد شب عن الطوق ولم يعد يعنيه الدعوات إلى مؤتمرات حوارية هلامية أشبه ما تكون ـ إن تمت ـ بحالة فوضوية داخل سوق مزدحم بالباعة والمارة دون وجود بضاعة تشترى.
لم تفهم بعد النخبة الحاكمة في أفقر بلد في العالم العربي رغم امتلاكه ثروات قومية هائلة ـ لم تفهم أن شباب التغيير يدركون أن هذه الثروات تنهب من قبل ثلة أشخاص سئمهم حتى الشارع الذي تمر منه سياراتهم المرفهة، وأن بضعاً وعشرين مليوناً هم سكان اليمن غير السعيد يعيشون في كبد وذل وقهر وعوز، وحياتهم اليومية لا ترتقي لأن يعيشها أولئك النازحون في مخيمات "خرز".
لم يفهم بعد المعنيون وولاة الأمر في بلد يرزح تحت وطأة الظلم والفساد وتحكمه نواميس تجاوزت تلك التي يحكم به ملوك الغاب ـ لم يفهموا أن شباب التغيير باتوا اليوم يدركون السلب المنظم للثروة السمكية من قبل شركات وهمية تابعة للأقارب والأصهار، ومثلها الثروة النفطية، وزد عليها الذهب الذي لم يظهر بعد في خانات الموارد العامة للبلاد، رغم أن استخراجه وبيعه يتم منذ أكثر من عشرين عاماً، عوضاً عن غياب العدل والأمان واستشراء الفساد في جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها، وانعدام أبسط الخدمات التي لزاماً على الدولة توفيرها لمواطنيها حتى لو أنها تظن أنهم جاءوا من "موزنبيق" أو من الفضاء الخارجي، المهم أنهم يعيشون في بقعة من الكرة الأرضية اسمها الجمهورية اليمنية ويرفعون علمها ويؤمنون بمبادئ وأهداف ثورتيها ـ لم يفهم هؤلاء المعنيون أن هكذا أوضاع وأكثر هي من قذفت بأولئك الشباب المسحوقين والمقهورين والمعدومين، وعطلت قدراتهم وشلت قواهم على مدار ثلاثة عقود ـ إلى الشارع ليهتفوا بأعلى وأقوى صوت ويصرخون بأربع كلمات طالما تغرغرت بها حناجرهم "الشعب يريد إسقاط النظام".
لم يفهم بعد أولئك الفاسدون الفاشلون ممن يديرون شؤون البلاد والعباد بأن الشباب الذين كانوا يسمعون عن الجهل والمرض والفقر من آبائهم إبان حكم الإمامة البائد ـ يشعرون اليوم بأن هذا الثالوث المرعب أضيف إليه ثواليث كثر وأكثر من سابقيها رعباً يكابدها المواطن اليمني يومياً بأنين ووجع، فلا تعليم صالح ولا صحة موجودة، أما الكهرباء والماء فعلى الجميع مراجعة تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التي تحدثت عن أرقام الفساد الفلكية فيما يخص محطة الكهرباء "النووية" ـ أقصد الغازية ـ، أما الماء فآخر محاضرة لوزير المياه وتقرير وزير التخطيط عن شبح العطش والجفاف الذي يتهدد اليمن كفيل بأن يجعلنا كمواطنين يمنيين نموت عطشاً، أما الحديث عن الفقر فيكفينا أنه بفضل هؤلاء الفاشلين أصبحنا أفقر دولة في العالم العربي والحمدلله.
لم يفهم بعد هؤلاء الفاشلون أن أولئك الشباب الرائعين المعتصمين في عدد من ساحات الحرية والتغيير خرجوا من أوساط أسر بسيطة طالما حلمت بعيش كريم وحياة آمنة فقط، طالما حلمت بأن ترى ابنها وقد حصل على حقه في التعليم والصحة دون زيادة أو نقصان، وينهي دراسته دون أن يضطر لحرمان أسرته من قوتها لتوفير مصاريفه، أو يضطر لإيقاف القيد ويلتحق بطوابير الشباب العالقين على حدود المملكة حتى تحين الفرصة الأقل خطراً ليعمل في أي مهنة كالشبح كي لا يرحل بعد أن يسجن حتى يسلخ جلده بفعل حرارة السجن وازدحامه.
* مرايا:
ـ "104" حالات وفاة في الحديدة خلال شهر إثر وباء غريب سمي شعبياً "المكرفس" ووزير الصحة من على كرسي مكتبه يصر أنه الضنك، والحكومة تجتمع وكذا البرلمان وأعلى سلطات البلاد دون أن يفكر أحد في محاسبة وإقالة الوزير المعني وكأن من ماتوا عبارة عن مجموعة من البعوض الناقل للملاريا المنتشرة في اليمن.
ـ الحوثيون يسيطرون على مركز صحي في مديرية "الغيل" بالجوف الذي تقدر أجهزته بـ"50" مليون ريال ، ويقومون بتشغيله بعد أن عجزت الدولة عن توفير كادر طبي وتمريضي لإدارته رغم أن الخريجين في هذا المجال بالآلاف بدون عمل.
ـ عدد شهداء الاحتجاجات بعدن الحبيبة ارتفع إلى "15" شخصاً تقريباً ومدير الأمن مازال قابعاً في مكتبه يبحث عن مرآة لتكشف عورة "قيافته وهندامه".
ـ شكراً لبلاطجة الحاكم.. لقد ضاعفتم أعداد المحتجين المطالبين بالرحيل.
إبراهيم مجاهد
لم يفهم بعد..!! 1996