كنت قد اتخذت قراراً بعدم الكتابة حول ما يجري في الساحة اليمنية، ليس لعدم إيماني بمطالب الشباب وبحقهم في الاعتصام وإنما لقلة حيلتي ولمعرفتي أن من يقتل الأنفس البريئة لا يمكن أن تردعه الكلمات وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، فكم كتب من أجل حقن الدماء وعدم استخدام العنف والقوة ضد المعتصمين في الساحات، ومع ذلك يوماً بعد يوم تزداد أعمال العنف والقتل ضد الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم عبروا عن مطالبهم بصورة سلمية.. إنه لمؤسف حقاً ما يجري بساحات صنعاء وتعز، ففي يوم الخميس تم الاعتداء بالعنف والرصاص الحي ضد المتظاهرين والمعتصمين سلمياً في تعز.. وإذا لاحظت عزيزي القارئ ستجد أن محافظة تعز لم تشهد مثل هذا الاعتداء على المعتصمين منذ بدء الاعتصامات وهذا الأمر يقودنا إلى حقيقة واضحة مفادها أن مدير الأمن القادم من عدن إلى تعز بدأ مباشرة أعماله ومهامه على أكمل وجه، فما يحدث في تعز يذكرني بما حدث في المعلا والمنصورة.. الآن عرفت لماذا لم تتم محاسبته وتم تعيينه في تعز، حتى أنتم أعزائي القراء عرفتم السبب وإذا عرف السب بطل العجب.
أما ما يحدث في صنعاء فهو أمر مؤسف ومحزن ولا نجد له تفسيراً، فقبل أيام تم الاعتداء على المعتصمين وهم يؤدون صلاة الفجر واليوم يقتلون وهم يؤدون صلاة الجمعة.. ألا يذكرنا ذلك بما يحدث في فلسطين عندما يقتل المسلمون على أيدي اليهود وهم يصلون؟ ماذا فعل هؤلاء الشباب؟ ولماذا مات كل هؤلاء الأبرياء؟!.. "43" شاباً تزهق أرواحهم بكل بساطة، إن المنظر الذي رأيته جعل الدموع تنهمر من عيني حزناً على من قتلوا، ولم أستطع أن أتمالك نفسي، فما حدث يعد جريمة شنعاء بحق الأبرياء العزل، ولا ندري هل عوقبوا لأنهم سلميون ولم يحملوا السلاح؟ أم أنهم يعاقبون لأنهم رفضوا مبادرة رئيس الجمهورية؟!.. ففي كلا الحالتين لا يحوز أن تسفك دماؤهم الطاهرة ، فقد كانت ثورتهم سلمية، ثورة أرادوا من خلالها القضاء على الفساد والمفسدين، ثورة أرادوا من خلالها القضاء على النظام وإسقاطه، فقد أراد النظام أن يخرسهم ويسكتهم إلى الأبد عندما وجد نفسه عاجزاً عن منع التظاهرات الضخمة ووجد نفسه مكتوف الأيدي أمام تدفق عشرات الآلاف إلى ساحات الاعتصامات، فلم يجد طريقة مثلى وحلاً أمثل سوى السير على طريقة القذافي بتصفيتهم وإبادتهم نهائياً!!.
لا تقولوا إن المعارضة هي السبب الرئيسي وراء ذلك، ولا تقولوا حميد الأحمر وأعوانه هم من فعلوا ذلك.. هذا لا يصدقه عقل، إذا كان كذلك فأين الأمن والحرس الخاص والحرس الجمهوري وقوات مكافحة الشغب والجيش؟.. لماذا لم يقوموا بدورهم في حماية المعتصمين؟! لماذا لم يتم الإمساك بالفاعلين طالما وأن هناك تصريحات عبر القنوات الفضائية بذلك؟! لماذا تركوهم يفعلون ما فعلوا بأبنائنا وإخواننا في ساحة التغيير؟!.
إن ما حدث يعد مجزرة وإبادة جماعية يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم، فدماء الشباب الأبرياء لن تضيع هدراً.
هل الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر, اغتيال الأحلام وممارسة العنف وإبادة شباب أعزل من السلاح ينشد حياة كريمة ومستقبلاً أفضل؟.. إذا كان ما يحدث في الساحة اليمنية الآن من قتل وانتهاك للحقوق والحريات يتم في ظل وجود الديمقراطية، فكيف سيكون في ظل حالة الطوارئ التي تم إعلانها؟!!.
كروان عبد الهادي الشرجبي
طوارئ .... 1988