على مدى الأيام الماضية تناقلت وسائل الإعلام المحلية والخارجية أنباءً ومعلومات عن مبادرات واتفاقات عديدة تتحدث عن قبول الرئيس صالح بالتنحي عن السلطة وتسليمها لنائبه وتارة لحكومة إنقاذ وطني وأخرى لمجلس رئاسي وغيرها من المناورات ـ إن صح التعبير ـ التي تبحث عن "أيدي أمينة" وفي ظل الحديث عن مناورات المبادرات السلطوية وترقب الجميع بما ستفضي عنه مباحثات الجنرال الثائر والجنرال الرئيس التي تبحث عن مخرج مشرف للأخير، وانتقال آمن للسلطة بعيداً عن العنف وإراقة الدماء.. تلوح في الأفق ثمة محاولات ومساع لقوى لم تتخيل بعد بقاءها ولو ليوم واحد خارج نطاق سلطة النهب والبطش والقمع والأمر والنهي، فذهبت لحشد البشر والحجر والحديد من مدرعات ومجنزرات إلى العاصمة صنعاء، وكأنها تريد أن يشهد الجميع آخر مشهد استعراضي للتراسنة العسكرية التي أبقت على النظام "32" عاماً في سدة الحكم، لكي يبقى هذا المشهد راسخاً في أذهان الجميع إنه ورغم غلبة الكم التي تؤيد النظام استجاب لمطالب كيفية الرحيل.
حتى مساء أمس الأول وجهود السفير الأميركي لازالت مستمرة لإقناع الرئيس بضرورة الرحيل وترك الحديث عن حشود الشرعية الدستورية للحاكم جانباً والسماع إلى مطالب الشارع اليمني خاصة بعد أن تراجع الرئيس عن الاتفاق الأخير الذي تم بمنزل نائبه الفريق الركن/ عبدربه منصور أواخر الأسبوع المنصرم، وحتى مساء أمس وأنا أسمع الرئيس يختطب في اجتماع اللجنة الدائمة.
تأكد لي أن الرئيس قرر الرحيل فعلاً عن السلطة وأنه قد تخلى منذ وقت مبكر عن منصبه كرئيس للجمهورية اليمنية وأكد للجميع أنه ليس سوى رئيس للمؤتمر الشعبي العام وأنه سيبقى كذلك رئيسياً لحزب يدرك الجميع أنه لا وجود له إلا في خانة استلام المصاريف وخلق الأزمات والانقلاب على الاتفاقات السياسية.
نعم.. أكد لنا الرئيس أمس أنه لم ولن يكون إلا رئيساً لحزب الحزب لا يستطيع أن يقف على قدميه إذا ما خرج رئيسه من السلطة، لذا كان رئيس المؤتمر حريصاً على أن يكرر كلمة "سنبوا" أي قفوا أكثر من خمس مرات، وبصيغة تحريضية جعلتني أشعر أن الرجل تحدث بكلام أخطر مما أذيع ونقله الإعلام الرسمي ووصل تحريضه إلى ما هو أبعد من "السناب" والتسلح وتشكيل اللجان الشعبية التي اعتبر تشكيلها عبدالكريم شائف ـ أمين عام محلي عدن والقائم بأعمال محافظ المحافظة المستقيل بعد التعيين ـ يعد انقلاباً على ما هو موجود وقال إن البعض لديهم توجهات في الانقلاب على المؤسسات الشرعية من خلال تشكيل لجان شعبية، وأكد أنهم يرفضون قطعاً أن تكون لجاناً ذات طابع حزبي سواء من المؤتمر أو أي حزب، وبهذا الانقلاب الأخير وليس الأول وبهذه اللجان تأكد للجميع أنه لم يعد هناك أي مجال للمبادرات كما قال رئيس المؤتمر أمس، وعليه فإن مسألة الرحيل وإسقاط النظام واليوم قبل غد هو الحل الأمثل للحفاظ على أمن واستقرار ووحدة اليمن بعيداً عن المناورات والمبادرات التي لا تتسق وتطلعات شباب الثورة، ولا تتناسب إيقاعاتها مع نبض الشارع اليمني الذي قرر بعيداً عن "تكييفات المؤتمر" أن ينفض عن كاهله تركة الفساد والظلم والاحتراب والسلب والنهب للثروات، وثقافة الشللية والأسرية والانفلات الأمني، ويدرك أيضاً أن هذا النظام لم يعد قادراً حتى على إدارة الأزمات التي أوجدها في طول البلد وعرضها، ولم يعد قادراً إلا على التلذذ بأوجاع الشعب..
تخبط الأخ رئيس المؤتمر في خطابه يوم أمس والذي كان جلياً في سرد جملة من المتناقضات ابتداء من التعددية الحزبية ودستور أكثر انفتاحاً ثم الحديث عن إلغاء التعددية والعمل بالمقترح الذي قدم خلال اتفاق "طرابلس" الموقع سنة 1973م ـ والذي يتضمن إنشاء تنظيم سياسي موحد ورفض في حينه ـ بالإضافة إلى حديثه عن سقوط خمس محافظات جعلني أشك في أن الرئيس يعيش خارج اليمن منذ فترة ليست بقريبة، فمحافظة صعدة سلمت فعلياً لحركة التمرد وبشكل كلي بعد الحرب السادسة بشهادة اللجان التي شكلها الرئيس، أما محافظة الجوف يبدو أن الأخ رئيس المؤتمر لا يعرف أن الثلاثة المحافظين الذين تعاقب تعيينهم في الفترة الماضية لم يستطيعوا دخول المحافظة إلى من البوابة الخلفية للمحافظة "تهريب" أو عن طريق الجو، ولا يعرف أن المحافظ "غوبر" لم يتمكن من دخول المحافظة إلا عبر المروحية، ولا يعرف الرئيس أيضاً أن عدد نقاط التقطع الممتدة في هذه المحافظة المعدومة المشاريع تجاوز ضعف عدد مديرياتها.. أما ما يخص محافظة أبين فعليه أن يراجع أحد التصريحات للأمين العام للمحافظة / ناصر الفضلي ـ لصحيفة "الجارديان" البريطانية التي أكد فيها أنه لا يجرؤ أي مسؤول دخول مدينة جعار وأنه الوحيد المخول بالحديث مع العناصر التي تعتبر نفسها جهادية..
في الأخير أخاطبك بلسان الشباب الثائر وأقول: لن تخيفنا لجانك ولا تسليحك واللعب بالأوراق المحروقة وسنعتبر كلمتك أمام لجنتك الدائمة الخطاب الذي يسبق بيان التنحي والرحيل بهيبة وصورة مشرفة.