قضيت عمري بحثاً عن دهشة ما.. حلمت مرة بالحرية، لكن لم يخطر ببالي أن شعبي سيثور وحتى حين ثار، أكثر ما أدهشني فيه الصمود، أثبت شعبي أن الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كجبنا للوطن، وهذا الشعب حرضه الجوع وقض مضجعة الألم أجبره الفساد والذل والمهانة على الخروج عن المألوف..
وما أجمله من خروج!! قد أثقله حلم الحرية الجميلة الذي داعب خياله وألهب مشاعره لسنين، فما أراد لحلمه إلا أن يتحقق واقعاً ملموساً يعايشه وينعم به ويفخر بسرد حكاياته لأبنائه وأحفاده لا وعوداً وخطابات عفا عيها الزمن وكنا ننتظر سماعها من الحاكم ليس لثقتنا بتحقيقها لنا بل لنرداد يقيناً على أهمية بقاء حلمنا الجميل في قلوبنا والشعب اليوم يريد الحياة بقوة وإصرار ذلك الذي نجا من الموت وبأعجوبة فعاد للحياة بروح وجسد جديدين، فحتى نصعد للسماء يلزمنا أولا أن نخرج من قاع الخراب وحين ينضج في النفس البشرية الموت والقهر تبدأ بصنع الحياة التي تزيد المواطن وأخرسته لسنوات طويلة "الديموغلاطية" الممنهجة في كافة مؤسسات الدولة.
ذلك الخرس المكبوت أفصح اليوم عن كلمات راقية كتبت على لوح من ذهب وعمدت بدم الشهيد الطاهر.. حلمنا بالديمقراطية وسننتظر ممارستها الحقيقة في القريب العاجل، لكننا اليوم ننهل من ثقافتها كل لحظة داخل الساحات لتعيد من جديد تشكيل العقلية والنفسية للمواطن العادي وتدون لنا تاريخاً سيظل مفخرة لكل الأجيال، أراد النظام شعباً بليداً ميت الهمة والعزيمة ليضمن أعواماً عديدة وأزمنة عديدة من التجبر والنفوذ.
النظام يريد لهذه الإرادة الحية الهزيمة ولهذه الروح الباسلة الوفاة، النظام يدعو للحوار بالأمس وينكثه اليوم وحرية الشعوب لا تعطى على جرعات، فالحرية ليست "حبوباً للهلوسة" لنتعاطاها ساعة ونكف عنها بعد ذلك.. فإما أن نكن أحراراً أو نستمر في كوننا عبيداً للظلم والجهل والفساد.
هذا النظام يريد أن يغتال الحرية وهذا الشعب يريد أن ينتزع حريته انتزاعاً، وسيستمر في نضاله حتى آخر رمق.. فيا عشاق الحرية، كلما ضربوكم برصاصهم الحي اضربوهم بإرادتكم الحرة وصمودكم الراسخ، أردتموها سلمية منذ البداية وهكذا هي حتى النهاية وفاء للشهداء والثوار ، وفاء للجرحى والمعتقلين، وفاء لكل المعتصمين طيلة هذه الشهور ، لتصبح أطول وأقوى وأجمل وأنبل وأعرق ثورة عربية وتثبت للعالم أجمع أنه كلما إزداد الطغاة بشاعة كلما ازدادت الشعوب إرادة، ودماء الأمس لن تخمد غضب اليوم بل ستزيده اشتعالاً.
لن أنتظر دهشة أخرى في حياتي فقد أدهشتموني بما فيه الكفاية حين رأيتهم في عمر الزهور ومن كل الطبقات والمشارب والخلفيات خرجوا بصدورهم العارية، حاملين في أيديهم الورود ومن صدورهم يشع نور الإيمان بثورتهم وحريتهم.. قدموا أرواحهم رخيصة فداء لهذا الوطن ووفاء لهذه الأرض والتي لا تغلى عليها دمائنا وسنظل نقدمها رخيصة حتى ينقشع الظلام ويبزغ في فجرنا نور الحرية والتي أراه قريباً.
خاطرة: تحدثوا عن حرمة الاختلاط في ساحات الحرية ربما لعجزهم عن حشد السواد الأعظم من النساء الحرائر في ميدانهم.. ومهما أنفقوا من مال فلن يجدوا بين حشودهم امرأة بطلة تعدل ألف رجل وشجاعة لا تهاب الصعاب مثل "توكل كرمان" التي أشعلت ثورة حين قالت في أول يوم للثورة في تعز إرفعوا سقف مطالبكم وقولوا "الشعب يريد إسقاط النظام" ومن يومها وأنا أندهش بكل ما أراه على هذه الأرض وأندهش أكثر بكل كلمة تخرج من فم الحاكم.
شيماء صالح باسيد
خواطر ثورية 1897