يا شباب الحرية قبل أن أراكم كنت أبحث عن وطن لأدفن فيه جثتي المتعفنة، المتعبة منذ زمن، وحين شددتم يدي لساحتكم، أيقنت أني لم أمت بعد، قررت أنني لن أموت على نكهة الحزن تلك، بل سأموت مثلكم نحو الشمس، نحو الجديد نحو لحن يملئ الكون حبوراً، نحو شموعكم التي أشعلت ظلمة وحدتي.
بدمائكم أهديتمونا الوطن وأدهشتمونا وغرستم في قلبي بعض البعض من بعض الأمل، تركتم ساحتكم جثثاً ساكنة وأنا أصرخ: لا.. لا تتركونا، فأنا لم أحلم بعد، فأرجوكم لا تتركونا، لكن هاهو حزني ملئ وجهي وكنت أحاول أن أخفيه وأفتش عن وطني.
حين يكشر الأحبة عن أنيابهم ويتركونا غرباء، حين يسرقون من أعيننا ذلك الضياء، حين تهديهم البسمة ويهدوك البكاء، على امتداد هذه الأرض الطاهرة سنثور صباحاً ومساءً، افتقدتك يا وطني، فمتى ستلوح لي في الأفق البعيد؟
يا وطني يا من رميت شمعتي في بئر الرياح، يا من تمشي في قصيدتي سافرة على مسمع ومرأى كل المتآمرين، هل تعتقد بأني أكرهك أو أحقد عليك؟، حاشا لله.. فأنا أحبك لأني أعيش فيك منذ زمن، وأزورك كل صباح لأحبك وأشكرك على جوعي وجرحي، أشكرك على انكساري وغربتي وعلى ما مضى من عمري رتيباً على هدير الموج الذي أثقل كاهلي، على الروح المتعبة التي ترقص وحيدة على أشلاء جسدي الحزينة، التي تمضي دون كفن.
أشكرك يا وطني نيابة عن كل البطون التي أنهكها سراب الجوع، على كل القلوب المفعمة بالخوف، أشكرك نيابة عن كل الأقلام التي تكسرت وكل الحريات التي اغتيلت وكل الأقدام التي تعثرت، وكل القبور المختنقة بأجساد الشرفاء، ونيابة عن كل الساحات التي أغرقت بالدماء وأنا سبحت فيها، لونت بالأحمر وجهي، فزال حزني و انقشع ألمي.
بموتكم أيها الأبطال نضجت فيَّ الحياة، بدمائكم رويتم عطش الأرض، أنقذتم السماء، أرسلتم للشمس خيطاً من سناء بعد أن نسفتنا العبودية دهراً نستل اليوم سيوفاً لن تصدأ أبداً، نتنفس هواءً، نلتحف الفضاء.
أقسم لكم بأني سأقاتل من أجلكم، سأعشق من أجلكم، سأحيى من أجلكم، وحين يصمت فيني الغروب سأشرق من أجلكم، لأرواحكم سأهدي كل سطر وقصيدة، وسأبدو من بعيد كنجمة فريدة، فأيقنت أن الموت سر الحياة وقد أخبرتكم أنني لم أحلم بعد، لكنني سأشد النجوم إلى كف الأرض.
يا شباب الحرية.. بكم كل البلابل الحزينة ستعود، ستصدح بالنشيد نحو فجر سعيد نحو ميلاد جديد، نحو حلم وحيد سأحلمه بعد قليل، فإني لم أحلم بعد، فشكراً لكم لإهدائنا الوطن الذي حلمنا به طويلاً، ولن نُجبر بعد اليوم على إجهاض أحلامنا وها أنتم أعدتم لنا "حلم الحرية"، الذي سيتحقق عما قريب.
خاطرة:
من أقوال جيفارا الخالدة: "الثوار يملأون العالم ضجيجاً، كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء".