بدت الأسبوع الفائت أولى ملامح العافية للدبلوماسية المصرية وسياستها الخارجية بإنجاز المصالحة الفلسطينية التي طال انتظارها، بإعلان اتفاق حركتي فتح وحماس مبدئياً على وضع نهاية لحالة الافتراق، وصولاً إلى التوقيع النهائي على اتفاق المصالحة الأسبوع القادم في العاصمة المصرية، وبرعاية من دبلوماسيتها وحكومتها الانتقالية.
الملف الذي استنزف 1400 ساعة من الحوارات العقيمة أيام المخلوع مبارك دونما جدوى أنجز في ساعات الآن.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك إعلان السلطات المصرية عزمها فتح معبر رفح بشكل كامل ودونما اشتراطات أو قيود كتلك التي أفتعلها الرئيس المخلوع ونظامه الآفل، وطلبها من واشنطن الاعتراف بالدولة الفلسطينية والإعداد لمؤتمر السلام، تكون السياسة الخارجية المصرية قد بدأت الإعلان عن نفسها وتطلعها لاستعادة الدور المحوري لمصر ابتداءً من معبر رفح وصولاً المنطقة العربية والشرق الأوسط كسياسة مستقلة ونابعة من الدور المصري والعربي وهو دور أصيل في منطقة هو مكونها الجغرافي والاقتصادي والسياسي والبشري.
كانت هذه التوجهات متوقعة، ونتيجة حتمية لثورة سلمية شعبية عظيمة، كهذه التي أعادت للشعب المصري ثقته القصوى بنفسه، ثقة شعب أطاح بالديكتاتور الفرد المستبد وأزاح نظامه المعيق للحرية والكرامة والاقتصاد والسياسة والحياة عموماً.
إن الدرس الذي تقدمه الثورة العربية التي بدأت في تونس ومصر، هو أن التغيير الداخلي واستعادة الشعب لحريته وكرامته، وتثبيت حقه في اختيار حكامه وعزلهم هو الأساس، ولا انفصال أبداً بين الثورة الشعبية والموقف القومي المساند لقضايا الأمة والداعم لوجودها وعدالة قضاياها.
ومن الضروري هنا وضع حد فاصل بين الأنظمة المستبدة القامعة لشعوبها والتي تصادر حق الشعب في الحرية والديمقراطية وبين ادعاءات هذه الأنظمة بالمقاومة وتبنى القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال.
فعلى مدى سنوات طويلة أدعت الأنظمة العسكرية والتي آلت في نهاية المطاف إلى مصادرة السلطة لصالح الحاكم الفرد واستولت على الدولة وحولتها إلى ملكية خاصة وحولت الجمهوريات إلى وراثة للأبناء، أدعت هذه الأنظمة أنها ستقوم بإنجاز التنمية وتحرير فلسطين، وإذا بنا نصل في نهاية المشوار وبعد عقود من الفشل والخيبات إلى وضع كارثي للبلدان التي حكمتها هذه الديكتاتوريات على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والتعليمية، وإلى وضع مخزي على المستوى الخارجي أذلت فيه الأمة العربية وأهينت وصودرت إرادتها وثرواتها مع خطاب أشبه بالهزل والهلوسة، يدعي فيه الحكام الذين أهدروا ثروات شعبوهم وأوصلوا مجتمعاتهم إلى الفشل والهزائم، وصادروا إرادتها، يدعي هؤلاء المتشبثون بالسلطة أن انتفاضة شعوبهم وثوراتها عبارة عن مؤامرة صهيونية اميركية دبرت بليل ضدهم.
هذا هو المادة الرئيسية للإعلام المصري أيام مبارك، والقذافي، وبشار الأسد، وعلي صالح.
وإن تجاوزه إلى تخويف الداخل والخارج بالتطرف والإرهاب، وكأن لا شيء تبقى لديهم ليبرروا به وجودهم سوى اختلاق المخاوف وتضخيمها لبث الرعب والفزع من خروجهم من السلطة، الآن تتعرى الأنظمة المستبدة، وتبدو كل ماكينات الدعاية والتضليل ممجوجة وسمجة مقيتة ومع هذا التحول يتأكد المواطنون العرب أن استعادتهم لحساسية الشعور بالحرية والكرامة والدفاع عن حقهم في الحرية والحياة والاختيار والعمل والحقوق الإنسانية لا ينفصل أبداً عن شعورهم القومي وتضامنهم في قضايا الأمة العربية.
والمقاومة التي تقدم نفسها كحليف للمستبدين تحكم على نفسها بالموت والأفول مع هؤلاء المتشبثين بالسلطة ولم يعد بمقدورهم الوقوف أمام إرادة الشعوب الحرة، وتطلعها لاستعادة مكانة الشعوب وبناء الحياة وخلق فرص التطور والنمو.
ولا أبلغ هنا من نصائح المفكر العربي عزمي بشارة في حينه عن موقف المقاومة المتمثلة في حزب الله اللبناني من الثورة السورية مذكراً، هذا الحزب أن المقاوم هو الشعب السوري ولا يوجد أي مبرر للافتراض أن المقاومة لصيقة بالنظام ومشروطة ببقائه، مضيفاً أن الشعب السوري لم يكن في أي لحظة أسيراً للطائفية حتى يخاف منه حزب الله، محدداً مواقف تاريخية متعاقبة لهذا الشعب العظيم ليس من مصلحة من يدعي والمقاومة أن يقدم هذه المقاومة كحالة متناقضة ومتصادمة مع إدارة الشعوب وتطلعها للحرية والعيش الكريم والتخلص من الديكتاتورية والظلم والطغيان، ومن يقاوم الاحتلال الإسرائيلي والسيطرة الاستعمارية كما يقول، عليه أن يتعلم احترام إرادة الشعوب العربية وأن لا يصطف مع نظام ديكتاتوري يسفك دماء أبناء شعبه من أجل البقاء في كرسي الحكم.
مصطفى راجح
الثورة إذ تعيد لمصر عافيتها ودورها الإقليمي 2181