السلطة المتوافرة للرئيس صالح لا يملكها حتى ملوك وأمراء دول الخليج أو الأردن أو غيرها من الملكيات المطلقة أو الدستورية ، هذه السلطة المطلقة جعلته لا يحتمل مسألة رحيله من دار الرئاسة، معه كل الحق إذا ما كانت الثورة صادمة له ، فالرجل حكم البلد ثلث قرن وبسلطة تجاوزت سلطة الملوك التي لم ولن تصل إلى الوظيفة والمعاش وحتى قاطرة الإسفلت واسطوانة الغاز وووالخ .
الشاعر الراحل/ عبدالله البردوني في مؤلفه ( النظام الجمهوري ) عد رئاسة صالح واحدة من حسنات النظام الجمهوري الذي لولاه ما وصل واحد من عامة الشعب إلى سدة الحكم ؛ ولكن القدر لم يمهل البردوني لحين ثورة اليمنيين على رئيسهم ، لربما أطلق قهقهة وعلق ساخراً إزاء جمهورية أفلاطون التي أحالها هذا الواحد من عامة الرعاع إلى جملكية وفق تعبير المفكر الإسلامي/ فهمي هويدي .
السؤال الماثل : ماذا نحن فاعلون لا ماذا سيفعل الرئيس ؟ لا أتوقع من حاكم بهذه السلطة غير العنت والمقاومة الشديدة ، فالسلطة المطلقة كما قيل مفسدة مطلقة ، لذا لا أنتظر تسليماً سلسلاً وآمناً لهذه السلطة ، على العكس أتوقع مقاومة عنيفة حتى آخر لحظة ، في واقع مثل هذا لا تحول مادة في الدستور- الشعب مالك السلطة ومصدرها- عن اقتراف أبشع الجرائم باسم النظام والقانون .
لسنوات والرئيس يقول: السلطة مغرم وليست مغنماً، تارة أخرى ومحذر من مغبة التفكير بكرسيه المحفوف برؤوس الثعابين ، الحقيقة المُرّة هي أن السلطة المطلقة صنعت منه فرعوناً لا يضاهيه أية من فراعنة مصر وتونس وسوريا وحتى جماهيرية المجنون القذافي التي لم يخلق مثلها في البلاد .
جمهوريات الرؤساء ليست بدعة يمنية خالصة ومع ذلك ما يميز جمهورية الصالح أنها عبارة عن سلطة بلا دولة مؤسسات وسلطات ، هذه السلطة جلها بيد شخص واحد لا يجرؤ أحد على الاقتراب من سلطته ، فكيف له استساغة ثورة تدعوه للرحيل أو تطالب بمساءلته ومحاسبته ؟ .
المؤكد أننا أمام معضلة مزمنة يتعدى عمرها الثلاثين سنة إلى قرون موغلة ، الثورة بدأت لتوها وحتماً ستنتصر ، ولكن تنازل الرئيس طواعية دونما مشكلات يعد أمراً مستحيلاً، تذكروا أننا لا نثور على مبارك أو بن علي أو غيرهما ممن سلطانهم أقل بكثير من سلطان صالح المطلق على المال العام ومقدرات الدولة ، لكننا نثور على حكم عمره يمتد لأزمان سالفة .
ما يجب معرفته هو أن هذه الثورة ستواجه بكل الوسائل ، إنها لا تواجه الرئيس ونظامه المتداعي الآن للسقوط بل تواجه إرثاً ثقيلاً من الماضي وعلى هذه الثورة أن تأخذ باعتبارها أن الانتصار في معركتها الحاضرة لا يكون بغير العبور للمستقبل .
محمد علي محسن
جمهورية الصالح 2366