أزمة تمر وأخرى تجيء، لا نكاد نتخلص من أزمة حتى تحل أخرى أكثر قوة ، طابور من الأزمات ينتظرنا ونحن معها نستقبل ونودع أعواماً من التعب والإرهاق ،كأن هذا النظام لا يريد أن يوسم إلا بنظام الأزمات ولا يحلو له إلا وضع المواطن في حالة اشتباك مع الأزمة.
هنا فقط تتهلل أساريره ويشعر أنه قام بواجبه على أكمل وجه ،وحين تتبرم الجماهير يلقي باللوم على (المشترك)شماعته التي يعلق عليها المسؤولية، أما هو كنظام مبرأ من كل ما يُصَّدره من وجع إلى الشعب ،وما يقدمه من ثقافة تسمى أزمة ونسميها طحناً ..أزمات تُساءل عنها الأطفال فيجيبونك سريعاً ودون تردد "انعدام غاز ، بترول، ديزل، قطع كهرباء ، ارتفاع أسعار، جرع...........إلخ".
هم لا يعرفون سوى المتوفر في حاراتهم، وحين تسألهم ماذا يعني الرخاء؟يرتبكون كثيراً ويسألك الطفل .ماذا يعني الرخاء؟ تحاول أن تقرب إليه المفهوم فلا تقدر، كأنك تحدثه عن بلاد بعيدة وخيالات لا يقوى على إدراكها وعن وطن آخرين ،أما هو فلا يعرف غير الأزمة وطناً، معها يكبر ، تصير جزءاً من تاريخه الوطني وعلمه والنشيد.
هكذا استطاع النظام أن يقدم نفسه وبعد إذ يحدثك عن الديمقراطية وتوابعها، وكأن الأصل أن تكون الأزمة هي القاعدة والانفراج هو الاستثناء..الديمقراطية لديه مزيد من الكلام يقابله الكثير من الأزمات، معادلة يصيغها بتفنن مدهش، لأن لوازم الجوع ديمقراطية الكلمة حسب مفهوم النظام لمعنى كلمة (ديمقراطية) أجوع وتأزم وتكلم ، الكلام هنا تخدير جوع، تعويض بؤس ،إنها ديمقراطية من طراز جديد ، فهي بعثرة خطط تنموية وعشوائية التصرف بالمال العام والاقتراب كثيراً من إشعال فتيل الفتن، إن كانت الأزمة لا تجدي والديمقراطية أوشكت أن تنتج حلاً لازمة تشكل خطراً على النظام الذي يريدها ثرثرة عجزة يتبرمون ويدين كل طرف الآخر، فيما الأزمة تتسع وتكبر وتصير إبداعاً لدى النظام ، وتسأل ما معنى أن نظل هكذا نلهث وراء البسيط الاعتيادي ولا نقدر عليه؟ ولا تجد جواباً واحداً يقنعك أن شيئاً ما خارج الإرادة، لا يفعل ذلك سوى النظام الذي دأب أن يحشر 25 مليون مواطن في أزمات وكأننا نعيش فلماً (صراع من أجل البقاء) وبحث مضنٍ عن يوم تكون الأزمة أخف وطئاً من سابقاتها ،ولا نعثر على شيء من ذلك، لأن ثمة ما هو قادم أعظم وأكبر وحين يحاول المواطن أن يحدد بالضبط من أين يأتي النظام بكل هذه الأزمات، يجد نفسه في دوامة من الصراع ، في الداخل تفجيرات وحروب واقتتال وتقطع وفساد، ومع الخارج علاقات توتر مع الأشقاء وتأزيم أوضاع بمواقف وتدمير أشد من الأزمة، حينها يقف المواطن أمام الأزمة ،ليحمد الله على النعمة ولا الحرب وإراقة الدماء وحصار الأشقاء وتزفير العمال المغتربين .
وبين النظام والأزمات من الاحترام المتبادل والثقة ما ليس مع المواطن مطلقاً،هذا الذي يظل يتوجع مع كل يوم طلعت شمسه ليبقى في حدود الشكاء الديمقراطي جداً، وإذا ما مد البصر إلى الأمام وقدم حلولاً، حينها تلاحقه أجهزة الإعلام مثنى وثلاث ورباع، بتهم العمالة والارتهان والخيانة لمجرد أنه يريد حل أزمة من أزمات، ويتلفت لما هو مدان هكذا، فلا يعرف بالضبط غير أنه يقرأ لا فتات توحي بأزمة أكبر من أختها حين يقرأ (اليمن أولاً، اليمن في قلوبنا، اليمن مسؤولية الجميع ، .. إلخ) هذه الشعاراتية التي تبرز مع حلول أزمة توشك الدخول في دائرة الخطر.كأنها شعارات أشبه بجرس إنذار عن حريق أو براكين أو زلازل ،وتتحول هذه اليمن من عشق إلى خوف، من أرض السعيدة إلى التعيسة، ومن خير ونماء إلى قحط وجدب ،(يمن) من أزمة فوقها أزمة ، تحتها أزمة، بحر متلاطم من الأزمات والارتباك والبحث عن مخارج وحوار يحدثك عنه النظام ويحوله من بحث عن حل إلى أزمة إضافية ، وإلا ما الذي جعل هذا الاعتصام الواسع في كل ميادين التغيير إن لم يكن بفعل تحول الحوار إلى أزمة؟ ! ولربما إلى خطر بعد أن كثرت شعارات (اليمن أمانة في أعناقنا) وهي شعارات مختلف ألوانها، تبرز أحياناً في حائط وأخرى من إذاعة وثالثة من تلفزيون وكلها إما أغانٍ حماسية أو مرش عسكري وشعار اليمن أولاً أو بث مباشر لضيوف يتهمون المشترك، كأنه محرم على المواطن أن يصغي لطرب أصيل وأغنية عاطفية، أما فيروز فالويل لمن ينادي بسماعها ، وليتنا نجد من بين كل هذه الأزمات من يعقل أو يسمع أو يخرج مرة فقط يعلن مسؤوليته عنها لهانت كل الأزمات، لكنه التضليل الذي يمارسه الإعلام ويألفه النظام حتى لكأن (الحياة) اسمها أزمة.
محمد اللوزي
حياة أسمها أزمة 2079