عندما تلجأ إلى حبّ جديد لتنسى حبًّا كبيرًا، توقّع ألا تجد حبًّا على مقاسك، سيكون موجعًا مزعجًا كحذاء جديد، تريده لأنّه أنيق و ربما ثمين، لأنّه يتماشى مع بدلتك، لكنّه لا يتماشى مع قلبك، ولن تعرف كيف تمشي به، ستُقنع نفسك لمدّة قصيرة أو طويلة أنّك إن جاهدت قليلاً بإمكانك انتعاله، لكنّ "صانع الحذاء يريدنا أن نتألم كي نتذكّره"، ستدّعي أن الجرح الذي يتركه على قدمك هو جرح سطحي يمكن معالجته بضمادة لاصقة، كلّ هذا صحيح، لكنّك غالبًا ما لا تستطع أن تمشي بهذا الحذاء مسافات طويلة، قدمك لا تريده، لقد أخذ على حذاء قديم مهترئ، مشى به سنوات، لهذا قال القدماء "قديمك نديمك"، و أنت في كلّ خطوة تتقدّمها لا تملك إلا أن تعود بقلبك إلى الوراء.
من الرجال من لا يعلم أنّ الكلمات كالرصاصة لا تسترد، و قد يفرغ فيك في لحظة غضب ذخيرته من الكلام الذي يفاجئك بأذاه، فما توقّعت ذلك الحبيب قادرًا على حمل ذلك الكمّ من الشر في نفسه.
إنّ الغضب يفضح طينة الرجال، و قد قال أحد الحكماء ناصحًا "من غضب منك ثلاث مرات ولم يقل فيك شرًا اختره صاحبًا".
ليس بإمكان أحد الإدعاء أنّه من يتحكّم في ذكرياته، و لا هو يحتاج أن يبحث عنها في الزوايا خلف عنكبوت الزمن، هي التي تتحكّم فيه.. وهي التي تبحث عنه حين تشاء.
يؤكد رأيي هذا، كتاب المحلّل النفسي باتريك أستراد "هذه الذكريات التي تحكمنا"، حين يقول: "الذكريات تمثّل بشرة جلدنا الداخليّة و تصوغ شخصيّتنا من دون أن ندري، الذكريات التي نتذكرها في مناسبات معيّنة هي مفتاح الحلّ لكثير من المشكلات التي تصبح حياتنا".
بالنسبة للمؤلف الذكريات لا تقيم فينا، بل هي تغلّف حياتنا، فهي تمثّل بشرة جلدنا الداخلية، إنّها كلّ ما حولنا من أشياء نحيط أنفسنا بها، ما نلمسه ما نلبسه ما نحتفظ به، ما لا ينفع لشيء ونرفض أن نلقي به، إنها فخّنا!.
الذكريات هي هويتنا الأخرى التي نخفي حقيقتها عن الآخرين، حتى أنّ الكاتب يطلق شعارًا جديدًا "قل لي ماذا تتذكّر.. أقل لك من أنت"، و هو أصدق شعار نفسيّ قرأته.
جرّبوا هذه اللعبة، تعرّفوا على أنفسكم من خلال سؤالكم: ماذا تتذكّرون بالضبط؟، أيّة ذكريات نجت من النسيان خلال عبوركم متاهات العمر.. أيّ ذكريات لا تفارقكم كحياة تلك هي بالذات الذكريات التي تتحكّم في حياتكم، هنالك قطارات ستسافر من دوننا وطائرات لن تأخذنا أبعد من أنفسنا، هنالك في أعماقنا ركن لا يتوقّف فيه المطر، هنالك أمطار لا تسقي سوى الدفاتر، هنالك قصائد لن يوقّعها الشعراء، هنالك ملهمون يوقّعون حياة شاعر، هنالك كتابات أروع من كتّابها، هنالك قصص حبّ أجمل من أصحابها، هنالك عشّاق أخطأوا طريقهم للحبّ، هنالك حُـبّ أخطأ في اختيار عشّاقه
* كيف أنت؟
صيغة كاذبة لسؤال آخر، وعلينا في هذه الحالات, أن لا نخطئ في إعرابها، فالمبتدأ هنا, ليس الذي نتوقعه، إنه ضمير مستتر للتحدي, تقديره "كيف أنت من دوني أنا؟"، أما الخبر.. فكل مذاهب الحب تتفق عليه.
من الأسهل علينا تقبل موت من نحب، على تقبل فكرة فقدانه, واكتشاف أن بإمكانه مواصلة الحياة بكل تفاصيلها دوننا، ذلك أن في الموت تساوياً في الفقدان, نجد فيه عزاءنا.
ملاك عبدالله
مستغانميات.. 2909