ليست ثورة الفرقة الأولى أو قناة "سُهيل" أو حزب الإصلاح أو اللقاء المشترك، فمثل هذا الكلام لا ينطلي إلا على أولئك الذين وجدوا فيه وسيلة للنيل من الثورة الشعبية الفريدة في التاريخ اليمني قديمه وحديثه.
هذه الثورة لم تكن انقلاباً عسكرياً أو مؤامرة خارجية تم التخطيط لها في تل أبيب وأشرف عليها البيت الأبيض ونفذتها أحزاب المشترك، مثل هذا المنطق السقيم سمعناه على لسان الرئيس، ففي واحدة من عنترياته الزائفة وصم الثورات العربية بالمؤامرة الصهيونية الأميركية، لكنه وقبل أن يذهب إلى سرير نومه كان قد عاد واعتذر للبيت الأبيض عن حديث الصباح.
آخر من يتحدث عن الانقلاب العسكري وعن مؤامرة خارجية؛ هم هؤلاء الرؤساء المنقلبون على جمهوريات أسلافهم، صالح ومبارك وزين العابدين وبشار ومن على شاكلتهم؛ هم من فرط بالسيادة، وهم من باع الكرامة، وهم من خان شعوبهم وأوطانهم.
 الكاتب الكبير/ محمد حسنين هيكل في أول حوار له مع صحيفة "الأهرام" بعد انتصار ثورة "25يناير" لم يخطئ حين طالب بمحاكمة مبارك، بتهم الخيانة للنظام الجمهوري وبالتفريط في سيادة مصر وأمنها القومي ووجودها العربي والإفريقي لمصلحة إسرائيل والبيت الأبيض، أكان في حدودها مع فلسطين أو مياهها التي باتت مهددة بالخفض من دول النيل العشر.
المسألة لا تتعلق بانضمام اللواء/ علي محسن أو دعم الشيخ/ حميد أو سواهما من القيادات الحزبية والعسكرية والتجارية والقبلية التي أعلنت موقفها ودعمها للثورة، فمثل هذا المنطق التقليدي أعتقد أنه لا يستقيم أبداً مع منطق حداثي وعصري كهذا الذي جسدته الثورة الشعبية اليوم في أغلب محافظات الوطن، هذه الثورة لم تكن انقلاباً عسكرياً أو مؤامرة خارجية، بل ثورة مدنية من أجل اليمن الجمهوري الديمقراطي الموحد والمزدهر والعادل.
نعم إنها ثورة كل اليمنيين التواقين للحرية والعدالة والنهضة والمساواة و.. و.. و..إلخ، من المبادئ والأهداف السامية والنبيلة، التي لطالما مثلت حلماً وطموحاً لغالبية اليمنيين.
 لا أظن أن هذه الثورة ستكون مجرد إسقاط الرئيس/ صالح ونظامه العائلي وتصعيد رئيس عسكري أو قبلي، فمثل هذا الكلام السمج والسخيف لا يمكن قبوله واستساغته في زمن كهذا الذي ننتمي له ونحسب أنفسنا جزءاً منه.
إننا الآن أمام لحظة تاريخية لا تتكرر، فإما أن يتم استثمارها على النحو الذي سيخرج البلد وأهله من حالته البائسة والمتخلفة اقتصادياً وسياسياً ومجتمعياً وديمقراطياً ووطنياً ووحدوياً، وإما أن يتم تفويتها وتبديدها كغيرها من الفرص المهدرة، فيعود اليمنيون إلى ما هو أسوأ من سيرتهم القديمة مع نظام الحكم.. جنوب وحدوي كفر بالتوحد نتيجة مصادرة الوحدة، شمال جمهوري لم يعثر أناسه على جمهوريتهم جراء سرقتها، في الحالتين يجب أن تنتصر الثورة كي تبقى اليمن جمهورية موحدة.