انتهت المبادرة الخليجية، هذا أكثر من واضح الآن، إذا كان توقيعها استهلك أكثر من شهر، من دون أن يصل إلى نتيجة، فربما يحتاج تنفيذها إلى وقت يتجاوز العام 2013م، إذا أخذنا بالاعتبار النوايا التي كشفتها هذه المراوحة والتلكؤ في التوقيع عليها ابتداءً، إضافة إلى العبارات والبنود التي صممت لإتاحة المجال للتأويلات والتفسيرات المتعددة والمتناقضة.
وما كان مقبولاً في بداية المبادرة يبدو القبول به الآن من قبل المعارضة أشبه بالانتحار السياسي.
حين أعلنت المبادرة كانت الثورة السلمية في مسار تصاعدي وتكتسب زخماً داخلياً وخارجياً، ويسود إحساس عام لدى الأوساط الشعبية بأن النظام يتهاوى، وجاء الموقف الخليجي ليعزز هذه الحالة من التفاؤل لدى المعتصمين، ويؤكد توقعاتهم بأن الجميع أصبح يتعامل مع النظام باعتباره من الماضي، وأن المبادرة تتأسس على كيفية رحيل النظام وليس بقاءه.
شيئاً فشيئاً بدا وكأن المبادرة تمضي في الاتجاه المعاكس لأحلام اليمنيين وتطلعاتهم، ربما لا يمكننا التأكيد بأن ما حدث هو "التفاف" خليجي على الثورة السلمية بقصد مسبق، ولكن ما حدث ألحق ضرراً باليمنيين، حيث استمر النظام في قتل المتظاهرين والمعتصمين وممارسة كل أنواع الضغط عليهم، بينما وقعت المبادرة في أسر جدل عقيم حول التوقيع، تحولت معه خطوة إجرائية شكلية إلى لغز غير قابل للفكفكة والحل.
وإزاء هكذا معطيات يغدو من السذاجة أن تمضي المعارضة في فصل جديد من استهلاك الوقت، فمن الواضح أن القناعة بترك السلطة لم تتوفر بعد لدى الرئيس ومجموعة العمل المحيطة به والمعنية بالتعامل مع الثورة السلمية للشعب اليمني كأزمة، تحتاج فقط إلى برنامج عمل لإجهاضها وتجاوزها، بحسب ما يصدر منهم يومياً من قول وفعل.
من جهتهم يعبر الثوار السلميون يومياً بالقول والفعل عن وجود ثورتهم السلمية كحقيقة لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها، وكل يوم تبدو الثورة أكثر قدرة على الاتساع لتشمل النواحي والمديريات وتتصاعد بقوة الدفع الذاتي للشعب اليمني، وما تعبر عن النقاشات والاختلافات والجدل حول وسائل إيصال الثورة إلى تحقيق هدفها النهائي والحديث عن الزحف سوى تعبير عن استكمال الثورة السلمية لكل العوامل اللازمة لنجاحها ولم تبق سوى مرحلتها الأخيرة، وهي مرحلة يمكن أن تتحقق برأي كثيرين دون اللجوء إلى فكرة الزحف نحو القصر الرئاسي، فيما ترى قطاعات واسعة في ساحات الاعتصام عكس ذلك.
وأعتقد أن الثورة السلمية اليمنية سوف تصل إلى تحقيق هدفها دونما حاجة إلى الزحف، هي ستصل بقوة الأمر الواقع، فالنظام فقد قدرته على إدارة البلد وفقد جل سيطرته، ومأزقه الآن يبدو كبيراً، ولا يقتصر في انعدام قدرته على استعادة السلطة، بل في صعوبة بقائه في ظل حالة البلد التي أوصلها عناده إلى حالة تقترب شيئاً فشيئاً من الشلل التام.
هذا التعطل للبلد يفصح عن حالة اتساع الثورة وقوتها وأنها ووجهت بعناد الرئيس ونظامه، بينما يتوهم فريق العمل أن توقف الحياة بشكل شبه تام يمكن من إلقاء اللوم على الثورة السلمية، ويعيد له أملاً ضئيلاً بإمكانية البقاء.. البقاء حتى على أنقاض اليمن، فالغريق يتشبث بقشة.
بدورهم يأمل اليمنيون أن يؤدي يأس الرئيس وفريق عمله إلى وضع نهاية لهذا التشبث والإصرار على البقاء، وهو يأس يغدو فضيلة بتعبير الصديق/ محمود ياسين.
هذا الوهم بإمكانية البقاء، هو ما يفسر الترويع الإعلامي الذي يتوخى بث الرعب في أوساط الثورة السلمية بالقول: أن فشل المبادرة يعني الحرب، وكأنه يقول لهم إما القبول بمراوغات النظام وإما الحرب.
وما ينساه مبتكرو هذه الترويعات أن الشعب اليمني وضع النظام خلفه من أول يوم خرج فيه للهتاف بسقوطه ورحيله وأما استخدام القمع والقتل والعنف بكافة أشكاله، فكان أداة النظام الوحيدة التي بدأت مع الثورة ولم تتوقف حتى الآن، حتى يهدد هؤلاء الشعب اليمني الآن بالحرب، وسواء في بداية الثورة أو الآن يبقى السلاح الأكثر فتكاً بيد الشعب هو سلمية ثورته كسمة أساسية وجوهرية للثورة، وخيار لا رجعة عنه.
مصطفى راجح
الظل الثقيل لمبادرة فاشلة 2275