قبل أيام وأنا في طريقي عائدة إلى البيت بعد يوم مجهد، وقد أوشكت الشمس على المغيب، فإذا بي أرى طفلة لم تتجاوز الست سنوات من عمرها، قادمة من بعيد برفقة أخيها الأصغر منها، كانت تبكي وتنتحب بحرقة، لقد كان مظهرها مزرياً مغطاً بالأوساخ والأتربة، راعني ما رأيت من بكائها وخوفها وعويلها في ذلك الوقت المتأخر من النهار، فاستوقفتها وسألتها عن قصتها، أخبرتني أنها تائهة، وتريد العودة للبيت مع أخيها، حيث أن منزلهم بعيد جداً ولا تمتلك أجرة الباص.
وقامت بسرد قصة لم افهمها أبداً، فقد كنت على عجلة من أمري وقد كان الوقت متأخراً، قالت عبارات كـ"أمي مريضة، قاموا بإسعافها، ذهبنا لنبحث عنها عند خالتي، بيت أبي مفتوح وبيت أمي مغلق، وكلام من هذا القبيل.
كل ما استطعت عمله هو إعطائهم بعض النقود، ثم نصحتهم بسرعة العودة قبل أن يحل الظلام، وعدم الابتعاد عن بعضهما حتى لا يضيعان.
سواءً كانا هذين الطفلين صادقين أم لا، أو مجرد ممثلين بارعين، فلا استبعد ذلك، وليس هذا موضوعنا.
إنما ما دور الأبوين هنا؟، أين الأم من أطفالها وتربيتهم والعناية بهم صحياً ونفسياً، والعطف عليهم؟، أين الأب من توجيههم ورعايتهم؟
أي عقل بشري يسمح بتشرد أطفال أبرياء في الشوارع؟ وضياعهم وهم ما زالوا براعم لم تتفتح بعد، هم مستقبل الوطن المشرق في عتمة هذا الزمن الغادر المظلم.
منذ ذلك اليوم وأنا أتساءل: تُرى هل وصلا للبيت؟ أم أنهما ما زالا تائهين في متاهات الضياع وأروقة النسيان؟!
ملاك عبدالله
أطفال.. ولكن!! 1617