شعب بأكمله يهرب على نحو مدهش نحو عصر جديد، محطماً كل الأغلال والقيود، متجرداً من كل حدود واتساعات المكان والزمان والمادة, شعب مثابر على إنشاد لحن (الحرية) على نحو (كورالي) جميل ومتناسق، عازفاً سيمفونيته الأخيرة التي لا يزال وقعها هادراً على الآذان منذ أربعة أشهر، بينما على النقيض هناك رجل واحد لا يسمع إلا صوته, يكره الاستماع إلى سيمفونيات الحرية، فيقف مستمتعاً بمشاهدة اللون الأحمر القاني وكأن برك الدماء المتفجرة هنا وهناك لا تزيده إلا عتواً ونفورا.
هذا الوطن يحمل بين جوانحه حباً شديداً للحرية والكرامة.. حب يستعصي على الدمار وعاطفة لا تموت هناك في البعيد في هضبة حضرموت الواسعة باتجاه جبال ردفان الشامخة نحو عدن الحرة إلى تعز الحالمة مروراً بإب الخضراء باتجاه صنعاء الثائرة, هو حب للحرية لا يقهر وتوق جارف وعاطفة، لن تبلى وعقلية مذهلة للإنسان اليمني الذي أثبت جدارته بشرف الإنسانية والإيمان والحكمة اليمانية وأحقيته في الاستخلاف على وطن، سيعيش فيه الحر منتصب القامة، مرفوع الهامة، فخور بمشاركته في الثورة التي تلامس تخوم السماء، فلا رجوع ولا استسلام، بل معاً سنمضي نحو الأمام الذي نتمناه أن يعيد لهذا الوطن البريق ويعيد للمواطن الأمل والثقة بالمستقبل الأفضل الذي سنعيش فيه سواسية أمام سلطة النظام والقانون دون سيطرة أحد ما على الأخر ودون تهميش وإقصاء طرف على حساب الأخر.
هو وطن كبير بالتأكيد سيتسع قلبه ليضم الجميع أمام رجل واحد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، فأمتلئ صدره حقداً على شعبه يقول بلسانه ما ليس في قلبه وما في قلبه ليس عصياً حتى على طفل صغير أن يدركه.
وطن يريد التخلص من رجل واحد، جرح كرامة شعب لأكثر من ثلاثة عقود ولرحيله، على الشعب أن يستبسل أكثر وأكثر وكأنه في آخر الزمان حين يصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر واليوم أرى شعباً قابضاً على ثورته بقبضة من حديد ضمها إلى صدره كالأم الحنون، متحدياً كل الدسائس والمؤامرات المكشوفة التي تريد أن تسرق روح الثورة وتحرفها عن صراطها المستقيم، مثلما حدث في الثورات السابقة.
وطن يمتد بعرضه الواسع بين حنايا رجل المرحلة القادمة، الذي سيصبح أهم رجل في تاريخ اليمن ومقدر عليه أن يواجه أصعب تحديات الثورة ممثلة في النجاح وتحقيق كافة الأهداف, هذا الرجل عليه أن يختلف تماماً عن كل الرجال السابقين ومما قيل (قد يجتمع كل الرجال في صفة واحدة من صفات الرجولة وقد تجتمع كل صفات الرجولة في رجل واحد) وأنا أتمنى لهذا الرجل أن تجتمع فيه كل الصفات المنشودة لغد أجمل وأهم صفة في نظري هي أخلاصه للشعب لا للسلطة والكرسي وأن يمتلك نضج القبيلة وروح الشباب الحرة وعبق الماضي العريق ومدنية المستقبل الواعد الذي تغطيه السحب السوداء، لكن شمسه الساطعة ستشرق رغم أنف الجميع.
شيماء صالح باسيد
وطن ورجل واحد 1965