;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

النصر ساعة...... 2229

2011-06-02 22:16:13


يمثل النصر حلماً من الأحلام المهمة في الحياة على المستوى الشخصي والجماعي، وتعكس حلاوة النصر روعة الحياة وبهائها وقدرة الأمم على الوصول إلى تحقيق أهدافها كاملة وبصورة لائقة، وتبقى قضايا ذات أهمية قصوى في الحياة بصورة عاجلة للعمل على احتضان النصر، حيث تكون معانقة النصر هدف الأهداف في كل مراحل العمر لدى الأفراد والجماعات، لذلك نركز على النقاط الآتية:
ـ يجب أن ندرك أن النصر من عند الله وحده، يأتي به الله عز وجل، فالله عز وجل هو الذي يأتي بالنصر كيفما يشاء ووقت ما يشاء، فأما كونه من الله فإن الله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (126) سورة آل عمران. فهو الذي يأتي به، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (34) سورة الأنعام. وقال الله تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (1) سورة النصر. وهذا النصر يأتي في الوقت الذي يأتي به الله عز وجل، قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (110) سورة يوسف، والآية تقول: "جاءهم نصرنا" فإذا منح الله تعالى النصر لأحد من عباده فهو المنصور، ومن كتب عليه الخذلان فهو مخذول، قال الله تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران. مهما كان لديه من العوامل المادية قال الله تعالى عن قارون: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} (81) سورة القصص.
إننا نعبد الله عز وجل بالعمل بالأسباب لكننا لا نتعلق بالأسباب، فالأسباب لا تصنع النصر فهو من عند الله، بتقديره ومشيئته، قال تعالى:{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) سورة التوبة.
إن النصر لا علاقة له بقلة ولا كثرة، قال الله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} (13) سورة آل عمران. وقال تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (249) سورة البقرة.
إن هذه الحقيقة تجعل القلوب متصلة بالله تعالى مستعينة به، راكنة إليه، معتصمة بحبله، متوكلة عليه، قال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) سورة الفاتحة.
إن هذه الحقيقة المهمة أساسية في حياتنا الإيمانية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف".
قال الإمام ابن رجب الحنبلي عند شرحه لهذا الحديث في كتابه جامع العلوم والحكم: أما الاستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق؛ فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل؛ فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، وهذا تحقيق معنى قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن المعنى لا تحول للعبد من حال إلى حال ولا قوة له على ذلك إلا بالله، وهذه كلمة عظيمة، وهي كنز من كنوز الجنة، فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلها في الدنيا، وعند الموت، وبعده من أهوال البرزخ، ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عز وجل، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز" ومن ترك الاستعانة بالله واستعان بغيره وكله الله إلى من استعان به؛ فصار مخذولا. كتب الحسن إلى عمر بن العزيز: لا تستعن بغير الله فيكلك الله إليه. ومن كلام بعض السلف: يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو غيرك، وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك.
فالاستعانة التامة بالله تعالى، وعدم اتخاذ أي وليجة تؤخر النصر، هي التي تقرب النصر، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (16) سورة التوبة، فالركون إلى الظالمين، يترتب عليه الهلاك، قال الله تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (113) سورة هود.
ـ يجب أن ندرك أن النصر له شروطه وأسبابه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7) سورة محمد، وقال الله عز وجل: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج. قال الإمام الشوكاني في فتح القدير: ثم وعدهم سبحانه على نصر دينه بقوله: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم} أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار ويفتح لكم، ومثله قوله: {ولينصرن الله من ينصره} قال قطرب: إن تنصروا نبي الله ينصركم {ويثبت أقدامكم} أي: عند القتال وتثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في مواطن الحرب. وقيل: على الإسلام. وقيل: على الصراط. وننقل هنا كلام الألوسي بتصرف في تفسيره لهذه الآية، قال له رحمه الله: نصرة الله تعالى من العبد على وجهين صورة ومعنى أما نصرته تعالى في الصورة فنصرة دينه جل شأنه بإيضاح الدليل وتبيينه وشرح فرائضه وسننه وإظهار معانيه وأسراره وحقائقه بالجهاد عليه وإعلاء كلمته وقمع أعدائه وأما نصرته في المعنى فأن يكون أن لا يرى العبد في عمله إلا الله عز وجل، ونصرة الله سبحانه للعبد على وجهين أيضا صورة ومعنى، أما نصرته تعالى للعبد في الصورة فبإرسال الرسل وإنزال الكتب وإظاهر المعجزات والآيات وتبيين السبل إلى النعيم والجحيم ثم بالأمر بالجهاد الأصغر والأكبر وتوفيق السعي فيهما طلبا لرضاه عز وجل وأما نصرته تعالى له في المعنى أن يمنح العبد صفات جلال وجمال.
ـ يجب أن ندرك أن الصبر مكون أساسي للوصول إلى النصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيته الشاملة لابن عباس رضي الله عنهما في الحديث الصحيح: "واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا" رواه أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وعبد بن حميد والشهاب القضاعي في مسنده.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: قوله صلى الله عليه وسلم "واعلم أن النصر مع الصبر" هذا موافق لقول الله عز وجل {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (249) سورة البقرة. وقوله {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (66) سورة الأنفال. وقال عمر لأشياخ من بني عبس: بم قاتلتم الناس؟ قالوا: بالصبر، لم نلق قوما إلا صبرنا لهم، كما صبروا لنا. وقال بعض السلف: كلنا يكره الموت، وألم الجراح، ولكن نتفاضل بالصبر. وقال ابن بطال: الشجاعة صبر ساعة، وهذا في جهاد العدو الظاهر، وهو جهاد الكفار، وكذلك جهاد العدو الباطن، وهو جهاد النفس والهوى، فإن جهادهما من أعظم الجهاد؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المجاهد من جاهد نفسه في اللهط وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لمن سأله عن الجهاد: ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها. وقال بقية بن الوليد أخبرنا إبراهيم بن أدهم قال حدثنا الثقة عن على بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه قال: أول ما تنكرون من جهادكم أنفسكم. وقال إبراهيم بن أبي علقمة لقوم جاءوا من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالواك وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب. ويروى هذا مرفوعا من حديث جابر بإسناد ضعيف، ولفظه: "قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: "مجاهدة العبد لهواه" ويروى من حديث سعد بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس عدوك الذي إذا قتلك أدخلك الجنة، وإذا قتلته كان نورا لك، وإنما أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك" وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته لعمر حين استخلفه: إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك. فهذا الجهاد يحتاج أيضا إلى صبر؛ فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبه، وحصل له النصر والظفر وملك نفسه؛ فصار ملكا عزيزا، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غلب وقهر وأسر وصار عبدا ذليلا أسيرا في يد شيطانه وهواه. كما قيل:
إذا المرء لم يغلب هواه أقامه
بمنــزلة فيها الـــعزيز ذليـــل
قال ابن المبارك: من صبر فما أقل ما يصبر؟ ومن جزع فما أقل ما يتمتع؟ فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن النصر مع الصبر" يشمل النصر في الجهادين؛ جهاد العدو الظاهر وجهاد العدو الباطن، فمن صبر فيهما نصر وظفر بعدوه، ومن لم يصبر فيهما وجزع قهر وصار أسيرا لعدوه أو قتيلا له.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

محمد أحمد بالفخر

2024-04-27 23:39:48

وترجّل الفارس

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد