لأنه عاجز, ومن ذوي الدخل المحدود, يُسدد النظام مطلب شعبه الوحيد بالتقسيط, لا على دفعة واحدة.
ولأنه مسامح, وله من الأفئدة ألينها, يقبل الشعب أن يسدد هذا النظام ديونه على طريقة " شندي لك لوما يفرجها الله "، طالبوا بإسقاط النظام, فسقط شرعياً، بمذابح للمتظاهرين السلميين, واستقالة معظم أركانه وسفراءه ومندوبيه في الجامعة العربية والأمم المتحدة.
أصروا على مطلبهم, فسقط عقلياً، بجنون فاق "جنون البقر", عندما وجه بمحاصرة السفراء والوسطاء في سفارة دولة مرموقة, وإخراجهم بطائرة عسكرية كمهربي مخدرات، بات يتصرف خلف ستار بـ"ليس على المجنون حرج"..
كرر الشعب مطلبه, فسقط قبلياً، يرسل وفد وساطة لإخماد حرب أهلية خطط لها, ولم تسر كما كان يشتهي, ثم يضربها بالنار, ضارباً بـ"العيب الأسود", فوق أسفلت الحصبة، يعرف أن جزاء ارتكاب جريمة العيب هو "إهدار الدم"، ويعرف أن لا دم له ولا مروءة كي تهدر أو تصاب بالعار.
صمم الشعب على مطلبه الوحيد, فسقط أخلاقياً: مجزرة غادرة على ساحة الحرية, دبُرت ونُفذت بليل، ورغم أن الذي استعادته دولة النظام والقانون هو شارع بطول "200" متر, كان في يد ثوار اشتروه بدمائهم, وليس مناطق "جيزان" و"عسير" التي باعها رموز هذا النظام وقبضوا ثمنها مليارات الدولارات, إلا أن السقوط الأخلاقي كان فاضحاً في إعلام السلطة.
تعامل النظام مع ساحة تعز, كما تعامل مع عدن في "7" يوليو المشئوم، سلطة النهب كانت متعطشة للتفيد حتى وأن كان الهدف مملكة من الخيام، كانت غزوة خائبة، هكذا فكر الغزاة.
الساحة لا يوجد فيها مقرات حزب ستُمنح كمكافئات لمتعهد القتل في تعز "قيران" ورفاقه، لا تحوي سوى بطانيات ومخدات وثلاجات ماء يدوية، كان على قيران وحشوده أن يفكروا بغنائم أكبر, حتى وان كانت لا تتواجد سوى في مستشفى, يهود إسرائيل يعتبرونه شيء مقدس لا يمكن المساس به, أو اقتحامه.
نهب النهابة مستشفى الصفوة, الذي كان وما يزال, نجم الثورة الأول, والبلسم الذي يزيل سموم النظام الغاشم.
لا يعرف الشيطان قدسية مكان ملائكة الرحمة, انتهكوه, وأهانوا أطباءه بعنجهية غجر، ما لا يُحمل يُضرب بالرصاص.
هكذا فعلوا مع جهاز كشف محوري لم يستطيعوا سرقته، رؤية أنبوبة غاز التنفس الصناعي على ظهر أحد المواطنين, مشهد جعلني أموت ألف مرة.. هذه التي أنقذت رئات من أبناء تعز المختنقين بالغازات السامة, تباع بمبلغ تافه هو "3000" ريال، لا يعون أهميتها، رعاع. قدموا من الغابة, ولا يدركون معنى الطب، الرعاع الفوضويون, لا فرق لديهم إن اقتحموا المستشفى الميداني, واخرجوا أطبائه, وهم رافعين أيديهم إلى أعلى كاللصوص, ولا معنى لغزواتهم, إن لم يكللوها بنوع من "هنجمة العسكر", التي ارتدت فيما بعد ملابس نسائية، لتقوم بالاعتداء على ناشطات في عمل سافل ودنيء.
هنجمة كاذبة, تبخرت بعد ساعات، مع دخول ساعات الصباح شعروا أنهم أجبن من التواجد في مكان مهيب كهذا، كلما مر طفل من أطراف الساحة, نسمع أصوات "مضاد الطيران" تنطلق باتجاهه، مرعوبين كنعاج.
ما يثير الشفقة في الغارة على الساحة, هو إيراد أبواق النظام لأسباب لا تثير سوى الغثيان من الانحدار الذي وصلوا إليه يقولون: "اقتحمناها لتحرير جنديين اختطفا وتم تعذيبهما بطريقة لم تشهدها اليمن من قبل وتم مص دمائهم"..
يا الله, أعتقنا من غباء هؤلاء قبل أن تعتقنا من النار.. ما ذنبنا أننا ولدنا وهذه الكائنات البليدة في بلد واحد، كان عليهم أن يكونوا أشجع, ويقولون اقتحمناها لأننا نريد ذلك وكفى, لا يتذرعون بتعذيب هم وكلائه الحصريون، هم يعرفون, وأبناء تعز كلها, أن الساحة كانت فيها "أمن تفتيش" شبابية في البوابات, وليس "أمناً قومياً"، فالتعذيب, ومص الدماء, وانتهاك الإنسانية, والقتل الوهمي, من اختصاص "الأمن القومي" فقط في اليمن، اللهم لا فضائ.
alkamaliz@hotmail.com
زكريا الكمالي
سقوط.. بالتقسيط!! 2337