أكتب إليك يا صديقي من معتقل يقطنه (25) مليون مواطن باستثناء بضعة آلاف أو ينقصون، في هذا المعتقل يسود الظلام الذي يلف الجميع، يغدو هو النديم الذي لا يشبع منا ولا يريد أن يفارقنا، ظلام يلاحقنا، يسامر ظلنا وخيالنا فلا نملك غير الاستسلام له بالدخول في كنف العتمة حتى مداها البعيد.
الظلام يا صديقي الذي أحدثك عنه ليس كأي ظلام في بلدان أخرى، إنه معنا من خوف وهذيان وقنابل وحصار قوت وملاحقة قنديل، لا يستطيع أن يضيء وتوجس من قادم ربما تبزغ شمسه على نبأ غير سار وتوقعات أسوأ من الظلام.. وإذاً فإن التعايش مع كل هذا هو ما يجعلنا نقرأ الطالع على ما فينا ولنا لنلتفت قليلاً إلى الوراء نرى ماضٍ كنا نسميه بالظلامي إلى وقت وجيز لنجده اليوم حاضراً ويزيد، ولك أن تمر على أجواء وطني ليلاً لتراها كئيبة تتشح بالسواد والصمت وهزال الذاكرة وخرافية مجنون يستهويه قهر الجميل، ونحن مع هذا نظل على بارق أمل، لربما عاد الحب للبيت، ولربما يفقه القاتل أسرار الحياة فيتخلى عن بندقية الانتحار، ولربما استطاعت الطريدة أن تفر، وربما.. وربما..
ويا صديقي الذي يستجمع كل قواه العقلية ليعقل الجنون في معتقل شعب أنت لا تدرك الغرائبي فينا ولن تقدر على منطقته لأن القائم يفوق الخيالي ويقفز عليه إلى مناطق وعرة وأزمنة بدائية مع فارق أن الزمن البدائي كان فيه ثمة صيد ومرعى ومياه تجري وظلال وأنهار، ونحن جدب وقحط وعوز وحصار مر ومعتقل كبير، فالمياه باتت في حكم المنعدمة ومقاربتها لغسيل اليدين نعمة يحسد عليها الأخ أخاه، كيف استطاع أن يحقق هذا الرفاه؟! وصدقني إن قلت لك أن قطرة ماء في قرى أثمن من ريالات لا تساوي شيئا سوى أنها متسخة لكثرة تناولها وسوء التعامل بها..
أرأيت أي واقع نحن فيه؟! معتقل مترامي الأطراف الكل فيه رهينة بدلاً من أن كانت الرهائن تقتصر على أبناء الذوات لدى الإمام ليأمن جانبهم، نجد اليوم وطناً بأسره رهينة حاكم متسلط.
بهذا القدر أكتب إليك وبشفافية أرجو ألا تحسبني مبالغاً كما يحلو لإعلامنا الرسمي المتلاعب بالعقول والذي يبدو كأنه في إجازة يقضيها في جزر الكناري يستجم ومن ثم يطلع برسالة: (أن كل شيء مرتب وأنيق وقابل للزغاريد ومشاريع تفتتح لا تعد ولا تحصى ببركة سيد البركات الأب الروحي الكيس الفطن الألمعي المصقعا)، ومن يقول خلاف ذلك ناكر جميل، جاحد موتور، و(موتور) كلمة لا أدري من أنتجها إدانة للرأي الآخر، وعلى من يقول الصدق أو يشير إليه غير أنني أقول: بصدق الظلام والفاقة وانعدام المياه ثلاثية معتقلنا، وليت أنها تقف عند هذا الحد، إنها تصل إلى البحث عن أعواد حطب أو كراتين ومخلفات لإشعال نار تدفئة فطور أو غداء لسد الرمق يومين أو ثلاثة إلى حين يظهر فاعل خير..
هكذا باتت الأيام تغرس نابها فينا جوعاً وقهراً وظلاماً وزعيماً مؤتمناً ومعتقلاً يسمونه الشباب في ساحات التغيير (معتقل الصالح) وفيه الكثير من تجار السوق السوداء وتجار الأزمات ومن يسمونهم بلاطجة ونافخي كير، وفيه تنويعات الموت البطيء والسريع وتدريبات على الفقد والفقر، فيه من يلاحقون الحياة لشنقها عند أول فرصة لهم وفيه من لا همّ لهم سوى التفجير والبندقية حقداً يعبأ لأول فرصة سانحة، فيه من يرهبون ويقطعون السابلة ويفتخرون بهزيمة وطن وبيع ضمير وشراء أسلحة ومتاجرة بقوت الغلابا وأشياء أخرى الله يعلمها.
وهكذا يا صديقي في معتقل(الصالح) يتآلف المختلف كما اسم المعتقل/ الصالح رغم التنافر إلا أن التآلف حقيقي، ولا أراك الله هذا المعتقل وما فيه من مجانين وبكاء وطفولة تشيخ وشيوخ لا مُعيل لهم وبطالة بلا حدود ولا قانون سوى ما يتعارف علي أبناء هذا المعتقل ويندغمون معه حد الضياع الذي لا يعرفونه ضياعاً، ولا أراك الله هذا المعتقل وما يحتويه من نفائس ارتزاق ومقاولة قتل وتحفز لليوم الموعود، فكل ما فيه ينبئك أن الوقائع لا تكذب وأن مغامرات هوليود هي هنا في معتقل شعب بأسره وأن يوماً فيه كـ(33) عاماً مما تعدون، فكل المتوفر من الإحباط باذخ لدرجة يمكن أن يوزع على الكوكب الأرضي ويزيد فالظلام طويل، والليل بلا حدود يزحف بثقل على المعتقلين حتى لا يكاد أحد يعرف أحداً والجنود وملحقاتهم من راجمات ومجنزرات، وحدهم يجوبون الشوارع، إنها ملكياتهم دون الشعب ومع التوتر تصل درجة الانفجار إلى مستوى لا تقدر على تصديقه، فالقتل أسهل من أن تجد اسطوانة غاز وأسهل من توفير ماء لمنزل متواضع، أحياناً تفاجئك قذيفة وأخرى.. وأخرى.. وتتلاحق القذائف ولا تستطيع معرفة أين تقع؟ فقط ثمة قتل ومنازل تهدم وكثير من الخوف قابل لأن يترجم إلى واقع عبر انفجار من السهل أن يحدث وبسيط حد أن هذا يومي عادي.
أرأيت القتل اعتيادي يومي إلا في وطني؟! هكذا يا صديقي يحتفي الموت بنا ونضيق من غلب وتعب ومواطن ذل وإرهاق، يصير الوطن أضيق من ضلوعنا مع كل هذا الدموي الذي يرفل على أغنية فضائية رسمية (لمن كل هذي القناديل).. ولا قناديل سوى من يسقطون من الشباب في زهرة العمر، تراهم وتصاب بالهذيان مما يلحق بهم من تشويه، شباب أعرف بعضهم كان يرفع ذات يوم صورة الزعيم مفتخراً، به ولم يكن يعرف أنه سيأتي يوم يموت شهيداً على يد موالين لزعيمه الذي أحبه ذات زمن و لمجرد أنه يعبر عن رأيه السلمي.
ويا صديقي الذي يداري سوأة وطن في غربته ويجهد نفسه ليبرر الحضاري في وطنه ولا يستطيع إقناع احد من الأجانب ويعود بكثير من خيبة الأمل، أنت لا تستطيع، لأن كل المتوفر عذاب باسم شرعية دستورية، معبراً عنها في اقتحام ساحات الشباب لقتلهم وتدمير حياتهم وشطب ثورتهم، وما هو على الشاشات أكبر من أن تداريه أو تعمل على تغطيته.
لذلك ليس سوى إدراك المؤلم ودعوة الآخرين لأن يناصروا قضية حرية تسقى بأرواح شباب لديهم كامل الاستعداد للتضحية من أجل حياة الآخرين، وشباب بلادنا يا صديقي مرهق بلا حقوق، أو بعض أمل وفرح بالمستقبل، شباب كل حياته هم من الصباح إلى الصباح في زمن دائري، يخلص من هم يلاقي هموماً، أما شباب الغرب فله كل الحرية ببذخ وترف لا يعرف سوى النعمة من كل الاتجاهات، لأن الحقوق والحريات مكفولة قولاً وعملاً، ولا تجد لما يسمونه شرعية دستورية عندنا، وهي من صندوق يعرفه الكل (معطل) ونتيجته معروفة سلفاً، والويل لو فكر أحد بتغيير النتيجة فالديمقراطية ديكور لهذا المعتقل وليست للإنسان وحرياته.
ولعلك يا صديقي تعرف بالضبط كيف تدار العملية الانتخابية - الضمان للحاكم أن يتولى أمر شعب كما يريد - مستنداً إلى أصوات وهمية وإلى مجنزا ت ويوم مشهود بكثير من القتل والانفجارات، ووالله يا صديقي إنني الآن أكتب إليك على وقع انفجارات رهيبة قريبة لا أعرف ما لذي أوقعته من خسائر في الأرواح البشرية والممتلكات سوى أن دويها مخيف ومخيف حد البحث عن قبو لا وجود له، ولست أعرف أي (سادية) لدى القتلة يتمتعون بها وهم يلحقون أذىً رهيباً بالوطن وأبنائه؟
أمر أنتم لا تتخيلونه في الغرب الذي يهادن وعلى استحياء يشجب، وكأني يا صديقي أجد انعدام الإنسانية في بلادي ولدى الغرب المداري للوجع فينا والقتل يحصد شبابنا، هل الغرب أخلاقياً يا صديقي منافق فعلا؟ أنا على قناعة أنه كذلك وليس لديه من الأخلاق إلا ما يمارسه في محيطه الجغرافي، أما الإنسانية لتذهب إلى الجحيم وفي تقديري يا صديقي أن هذا الغرب يوما ما سيدفع فاتورة نفاقه في حقوق وحريات الإنسان، وإنه لن يقوى أن يظل إلى الأبد أنانياً، تحكمه المصلحة ولا يوقظ ضميره كل هذا العذاب البشري، ومثلما ينتفض الشرق اليوم على الطغاة، سينتفض على الغرب المنافق، سيحدث هذا يا صديقي.. سيحدث هذا.
إن الشعوب اليوم تريد الحرية لها، مثلها مثل غيرها، مطلب عدل ويستحق الثورة من أجل الإنسان، مساواة وعدالة وحرية بدون ذلك لن يكون العالم بأسره مطمئناً أو مرتاحاً ولن ينعم البعض بحرياته والآخر في عذابته.
إن هذا غير منصف أو عادل وسيجد الغرب نفسه واقعاً في مأزق الغلط والنفاق ونهب خيرات الشعوب والتفرج عليها وهي تعيش حصاراً وقتلاً ومعتقلاً كما بلادي.
صديقي المحب بلاده وهي من فوضى وإرهاق وجنون مستعر وانفجارات وتحديات تدل على أزمة ضمير وأخلاق لدى صناع الموت، إننا نصبح ونمسي على انفجار صار خبزنا اليومي وصار الضوء بدلاً عن الكهرباء، إلى هذا الحد نحن في اشتعالات وطن، وأيامه اشتعالات تجد بقايا مثقف يبرر لها، يقف إلى جانبها، يدافع عنها، يريد أن يقهر وطناً من أجل ذاته التعيسة التي تقتات من الدم والفجور والقهر.
إنه المثقف الذي يبيع المواقف كما سوق النخاسة، وهو الذي يمارس الدجل، منظرا له، مثقف يا صديقي يدعو للرثاء وأنت تراه في فضائية من دم وجبن وموالاة بائسة وبيع بالجملة والتفريق وإذًا فنحن نلازم هذا كله يا صديقي فكيف لا يمسنا ضر!! ولا لغب، والمثقف كما العسكرتاري مستعد لأن يرضي كبيره بلا تردد ويفتخر أن يكون الموت بالجملة..
صديقي، أخي، يا حبيبي الجميل، أتدري أن هذا مستحيل؟! ومع ذلك إنه فينا حقيقة يؤلمنا ويقهر أدمغتنا ونصر أن نكون أنقياء، خلصا فهذا وحده الذي يقف أمام الطغاة بكل أصنافهم رئيس وعسكر ومثقفون....الخ، هذا الذي يصنع ثورة في القيم ومن أجل الفرح النبيل لذلك بقدر تعب المعاش والمعتقل الذي نعيشه بقدر ما نؤمن بأن الآتي لابد سيكون حرية.
الحرية يا صديقي وجعنا وفرحنا، ألمنا وأملنا، هي الشمس التي يجب أن تشرق في كل وجه، ولولاها لكانت حياة الإنسان أشبه بحياة الدمى، لا روح فيها ومجرد لعبة وهم يريدوننا دمى ونحن نريد أن نكون بشراً أو هنا المعادلة بيننا ووجه التحدي وستنتصر الحرية يا صديقي تحيتي لك وأهل بيتك الطيبين.