من يوم لآخر والمشهد اليمني يسير باتجاه أكثر غموضاً من سابقه، كالغموض الذي يلف محاولة اغتيال الرئيس صالح ورموز نظامه الذين كانوا متواجدين معه في دار الرئاسة ظهر يوم الجمعة الفارط.. فهذه الحادثة المدانة من الجميع بقدر ما يراها البعض بأنها تمثل حالة من الانفراج وتعجل بسقوط النظام إلا أن الواقع اليمني يقول غير ذلك تماماً، فالحادثة تزيد المشهد اليمني أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، خاصة وأن الأيام الماضية منذ اندلاع العنف والتعامل بوحشية كاسرة مع المعتصمين في عدد من الساحات وإنزلاق الأمور إلى أكثر خطورة مع بدء قصف واستهداف منزل الشيخ الأحمر ومنزل اللواء علي محسن ومقار بعض الوحدات العسكرية، الأمر الذي كان كفيلاً ليدق ناقوس الخطر أمام المشهد اليمني لتأتي بعد ذلك حادثة استهداف دار الرئاسة ومحاولة اغتيال الرئيس لتعلن دخول اليمن منعطفاً أكثر خطورة ورعباً كون من سقطوا بين قتيل وجريح في هذه الحادثة وكذا حادثة استهداف منزل الشيخ الأحمر الذي سقط فيها عدد من مشائخ اليمن بين قتيل وجريح أثناء تواجد الوساطة التي أوفدها الرئيس - وأنا هنا لا أقلل ممن سقطوا في جميع ميادين الحرية والكرامة من شباب الثورة بل أني أحسبهم أغلى وأجل ـ إلا أن ضحايا الحادثتين الإجراميتين سالفتي الذكر كفيلتان بإدخال اليمن في حرب أهلية وصراع قبلي داخلي، وحالة من الأحتراب الدائم التي ليس لها نقطة نهاية، كون الموضوع سيأخذ الطابع الثأري والانتقامي، وحينها لن تجدِ اليمن لا الهدن أو الحلول القبلية أو حتى وجود دولة مدنية حديثة تقوم على العدل والمساواة، حيث أن ضحايا الجريمتين لن يعتبرهم ذويهم والقبائل التي ينتمون إليها ضمن شهداء الثورة الشبابية السلمية ـ حسب اعتقادي ـ بقدر ما سيؤخذ الموضوع من باب الصراع المسلح على السلطة الذي لا يمكن إغلاقه في حالة مثل اليمن، بل سيكون مفتوحاً على مصراعيه متى ما شاء من استهدفوا أو ذوي قتلى الحادثتين خاصة وأن جميعهم من "العيار الثقيل"، وكل واحد منهم لديه مخزون استراتيجي من الأسلحة والذخيرة بما يجعله يقاتل لسنين ويخوض حرباً ضروساً وقودها سيكون البسطاء من المبندقين والمجندين.
من هذا المشهد المرعب الذي يقف عائقاً أمام تحقيق شباب الثورة - الصامدين في الساحات سلمية منذ أربعة أشهر- لأهدافهم ويحول دون نقل السلطة سلمياً، يبدو أنه قد يكون سبباً لإقناع الأطراف التي ترى في قوة السلاح وسيلة للبقاء في السلطة والدفاع عن مواقعها على حساب الدم اليمني، خاصة وأن الأمر قد وصل إلى دار الرئاسة، وليس إلى جامع الرئاسة.. حيث أن ثمة معلومات تفيد بأن الانفجار لم يكن نتاج قصف صاروخي أو مدفعي، بل كان ناتجاً عن عبوة ناسفة زُرعت مسبقاً في المكان الذي كان جميع ضحاياه متواجدين داخل الرئاسة، ولجأت السلطة إلى القول بأنه تم استهداف المسجد في محاولة منها لاستعطاف الشارع العام..
هذا الوضع قد يحتم على الجميع العمل على إحياء المبادرة الخليجية التي أُدخلت في حالة موت سريري برفض الرئيس التوقيع عليها، على أن يتم إدخال تعديلات جوهرية فيها مثل إعلان تنحي الرئيس وانتقال السلطة للنائب مباشرة مع بقاء الرئيس في السعودية لحين إجراء تعديلات دستورية وتشكيل مجلس انتقالي مهمته الإعداد لانتخابات رئاسية نزيهة وشفافة، وقبل هذا كله يرى بعض المحللين أن على الأخ النائب (الرئيس المؤقت) العمل على إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية والأمنية وفق أسس وطنية.
لذا في اعتقادي أنه بعد إدخال مثل هذه التعديلات الجوهرية قد تمثل المبادرة الخليجية مخرجاً مناسباً للجميع، بالتأكيد أن هناك الكثير من شباب الثورة قد لا يوافقني الرأي، لكن أقول إن الحديث بعيداً عن المبادرة وتعديلها يعني العودة إلى منعطف خطير وهي مرحلة العنف المفرط واستخدام السلاح والقوة بشكل يجعل من شبح الحرب الأهلية كائنات حقيقية تسير بيننا و لا تجيد سوى القنص وأدمنت على سماع لعلعة الرصاص والمدافع، وتستخذي حد الوصول إلى النشوة بشم رائحة البارود.
إبراهيم مجاهد
المبادرة ولكن..! 2270