فخر هذه الثورة كونها ثورة شعب بأسره والمتصدر لها هم الشباب، فهي إذاً ثورة إرادة وقوة وعنفوان، شبابية الوجه واليد واللسان، الأمر الذي منحها التوهج والاقتدار في أن تجترح المعجزات وقد فعلت، وأن تنجز أحلام الجماهير وهي قادرة بما لديها من قوة شبابية لا تعرف سوى التصميم الواعي المستكن فضاءات الحرية، المستوعب معنى الانتماء الوطني والهوية الحضارية، وبلاشك فإن ثورة يتصدر مهامها شباب كان لهم فخر تحقيقها وتقديم أرواحهم كي تنتصر ـ هي فعل راقٍ يؤسس لوجود خلاق لحرية فاعلة لتفتح إنساني رائع يتجه بنظره صوب معالم وطن حقيقي ليس فيه احتكار ثروة أو سلطة أو تمايز يلغي الإبداع ويهزم الطاقات.
وإذاً فإننا أمام زمن جديد واستلهام للعصر بكل ما فيه من اعتمالات لتحقيق الشروط الموضوعية لفاعلية خلاقة تحدثها الثورة بتعايش مجتمعي ومواطنة متساوية وديمقراطية حقيقية، ليس فيها الفرد هو المشيئة كلها، وهو الملهم والفذ والرمز، ومثل هذه الاطلاقات لايمكنها أن تتعايش مع الديمقراطية وهي شراكة مجتمعية متساوية، فتمجيد الفرد وجعله الحاكم بأمره والقائد الضرورة لايخلق سوى الدكتاتور واحتكار الحياة بأسرها، وتلك جريمة في حد ذاتها ارتكبها المثقف السلطوي القمعي المدجن ولا ينبغي تكرارها كظاهرة تحت أي مبرر، فلا يمكن أن تتعرض الثورة للوأد باسم الزعيم الملهم وأن يتم إلغاء شعب من أجل فرد، مثل هكذا إنما هو تآمر حقيقي ينبغي الاحتراز منه وبقوة، فالديمقراطية هي: إطلاق طاقات شعب وإتاحة فرص لكفاءات وليست توجيه فرد وعبادة فرد، وهنا علينا التأكيد بضرورة صياغة نصوص دستورية، تحرم تحويل أي فرد إلى رمز وطني مهما كان موقعه، كما لابد من مواد دستورية تحرم على أي رئيس منتخب تعيين أي من أفراد أسرته في أي من المناصب العسكرية أو المدنية إلى مستوى معين في السلم الوظيفي ،وتحرم عليه وأفراد أسرته ممارسة التجارة تحت أي غطاء علني أو مستور، ومالم تستفد الثورة من سلبيات الماضي فإنها ستظل معرضة للأخطار والفشل وتجربتنا (الصنمية)في مرحلة نتمنى تجاوزها خير دليل على مدى ما لحق بالوطن من هزائم متعددة بفعل الإستئثار بالسلطة والتسلط والأنانية التي أسهم المثقف الخياني فيها بدور سيء لإنتاج الفرد الدكتاتور القابض على مقاليد الأمور، الممتلك زمام الحياة وتحويل الجماهير من منتجة إلى مستلبة غير فاعلة تنتظر ولي أمرها يبسط الرزق لها، مستغلاً المأثور الديني لقمع أي مطلب للحرية تحت ذريعة طاعة (ولي الأمر)، فيناز وقد وجد في هذا السياق من لديه القدرة لحشد الكثير من الآيات والأحاديث بهدف تسخيرها لدكتاتور يقمع شعباً يطالب حرية، بما يعني أن لدى السلطوي القدرة لتسخير الديني والثقافي لتجهيل شعب وإخضاع شعب وتحويل الإسلام إلى فتوى للدكتاتور وكأنه رسالة خضوع وذل، وليس حرية وإبداعاً ومقاومة ظلم (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
هكذا هي الروح الإسلامية، رفض ذل واستكبار، لذلك انتجت حضارة مازال العالم ينهل منها حتى اليوم ،حينما كان للذات الفردية احترامها وتكريمها (ولقد كرمنا بني آدم) صدق الله العظيم، من هنا فقط كانت الريادة من الحرية التي صادرها السلطوي زمناً غير قصير واشتغل فكرياً لهذه المصادرة المثقف الانتهازي، وأباحها من يدعون أنهم علماء إسلام لمكاسب ذاتية، ولعل الثورة الشبابية اليوم في أمس حاجة للوقوف أمام هذين البعدين الخطيرين المثقف الانتهازي والديني الإستلابي وتحديد معنى الهوية الحضارية في سياقها المعاصر دونما تمترس ولكن بهدف تفعيل روح المبادرة والتجديد والإبداع لإنجاز ثورة شبابية تستحق الوقوف معها بتفتح كبير يحاور ويحترم ويعبر عن الوطني في سياقه الصحيح المؤمن بالآخر وحقه في التعبير واحترام حقوقه مالم تتعارض مع المصلحة العليا للوطن.. على هذا الأساس تغدو الثورة مبنى ومعنى عمل شبابي واع وروح متوثبة نحو الجديد، متطلعة إلى الأمام ،يعنيها حقوق وحريات المجتمع بدقة ،ترفض المصادرة والإلغاء وجاهزية التبرير لفرض الرأي الفردي أو الحزبي دون شراكة واعية حقيقية فاعلة، باعتبار أن تجربة القسرية، تجربة ماضوية مؤلمة حقاً، أهدرت فيها قدرات جماهير وإمكانيات وطن وعرضت شعباً لأزمات عديدة كادت أن تعصف به وتلحق بالثورة هزيمة تاريخية، لولا أن الثورة الشبابية استطاعت أن تحقق بسلميتها أنموذجاً حضارياً لا نظير له يبعث على التفاؤل والأمل ويخلق بعداً نهضوياً قائماً على العدالة والمساواة واحترام الدستور والقانون.. من أجل ذلك هي ثورة نبيلة في التاريخ المعاصر، وبذات القدر متطلعة إلى الغد بما تمتلكه من تنوع إبداعي يفجر طاقات نرى تباشيرها واقعاً في ساحات التغيير بما تشهده من مواهب إبداعية في شتى الفنون والعلوم والثقافة والفكر، وما كان لهذا أن يقدم نفسه واقعاً لولا ساحات الثورة، ساحات التغيير التي فتحت عوالم إبداع مدهشة تجعلنا نقف احتراماً لجيل قدر أن يبرهن على تواجده ووجوده القوي إبداعاً وتعاملاً مع التكنولوجيا، من خلال وسائل اتصال معاصرة كان (النت) له الحضور على سبيل المثال في المقابل نظام بالٍ متكلس متراجع عصرياً لا يستطيع التعايش مع الحداثة التي هي أهم متطلبات الشباب.
لذلك كانت المواجهة بين جيل حداثي وسلطوي قمعي لصالح روح الثورة الشبابية، لينتصر التكنولوجي على الدكتاتوري القمعي، فما حمله شباب الثورة هو الوعي بالحرية ، بينما السلطوي كان لديه المواجهة، ضرب نار وقتل ومجنزرات وآلات إرهاب ودم ورش مياه مجاري وجميعها تكشف عن خواء ثقافي وإفلاس أخلاقي، أمام جيل ريادي متوحد بهموم وطن وقضايا عصر وروح امة.
هذا هو الفرق بين سلطة استعلائية متمترسة في الإلغاء وجيل يؤمن بالحقوق والحريات متسلح بالعلم في مواجهة الدمار، وبالسلم في مواجهة الحرب وبالضمير الديني والوطني في مواجهة التبريري الإلغائي الإقصائي.
جيل يفكر بالمستقبل أمام سلطة تفكر بالاستحواذ والهيمنة والتعالي خارج سياق العصر تماماً. وإذاً فقد انتصر الشباب بروحه المتوثبة للغد على سلطوي قمعي ظلامي يفكر بالجاهزية القتالية لمواجهة حرية شعب وإرادة وطن وشتان بين الأمرين.
محمد اللوزي
صدارة الشباب فخر الثورة 2044