كنت أظن الثورات الشعبية ستكون فرصة لمراجعة المفاهيم والأفكار الخاطئة الجانحة للتغيير بواسطة العنف، فبعد ما تكشفت سوءة هذه الأنظمة البوليسية أعتقدت أن هناك ما يشبه الاتفاق المبدئي بجدوى الثورات السلمية، خاصة بعد كل ما جرى في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا وغيرها.
لكن يبدو أن البعض مازال مكابراً، لا يريد الاعتراف بخطأ من أي نوع، فبرغم هول ما حدث هناك من يتمترس خلف منطقه الثوري القديم وكأن لا صلة له أو علاقة بمحيطه المتغير وطنياً وإقليمياً ودولياً، فهؤلاء لو أنهم استوعبوا ما جرى لهم ولمن حولهم لكان منطقهم متماشياً ومتناغماً مع منطق الثورات الحاصلة في أكثر من بلد، لا بل في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت وحتى صعدة والمهرة وسقطرى.
مأساة حقيقية، ففي الوقت الذي يتطلع معظم الناس إلى ما تؤول إليه ثورة اليمن بعد رحيل الرئيس وأركان نظامه، رأينا بالمقابل جماعات مسلحة تشرد آلاف السكان من زنجبار وتتقطع لسالكي الطريق العام وتقطع التيار عن محافظة الضالع بكاملها منذ ثمانية أيام، جماعة تقتل وتحارب في أبين باسم نصرة الشريعة وأخرى باسم تحرير الجنوب، تحول دون إيصال الكهرباء ودون المرور بسلام.
يا إلهي امنحني الصبر والقدرة كي أفهم ما يفعله هؤلاء!، يمني بائس لا يفرق بين ثورة على الظلم والطغيان وبين ثورة على موقع يرابط فيه عسكري منهك مثله!، بين ثورات مدنية هي أشبه بتسونامي لا يبقي ولا يذر حاكماً ظالماً، وبين ثورة مسلحة لا تنال سوى من المستضعفين والمظلومين.
لكم أن تتصوروا ثورات غايتها رأس نظام وثورة لبلوغ رأس تلة أو هضبة؟.. كتيبة عسكرية تقاتل من أجل نقطة أو تبة بدلاً عن دفاعها عن سيادة البلد وأهله؟ وجماعة تحارب من أجل نقطة عسكرية في بقعة لا تسكنها الغربان؟.
إنها العقلية السبئية التي لم تجد سوى السلاح كوسيلة للاستيلاء على التباب، ذات العقلية المدمرة لليمن واليمنيين، فما جدوى الاقتتال على نقطة أو هضبة؟، هل صار البلد رهن وجود نقطة أو دشمة لا تقطنها حتى القرود؟ هل ستحل قضية الجنوب بزوال كتيبة من الحبيلين أو يافع أم بزوال الأسباب السياسية؟.
فليذهب الاثنان ويتركان الطريق والكهرباء والمكان بسلام، فلا انتصرت ثورة كان مستهلها قتل وترويع للسبيل وقطع للكهرباء والماء وثوارها بلا شك يفتقرون للشهامة والمروءة والجسارة والوسيلة المدنية الحضارية!، ويا لبؤس هذه الوحدة إذا ما كانت محمية بهضبة أو نقطة أو دوشكا، فالثورة الأصيلة ليست هنا يا قوم، والوحدة الحقيقية ليست هنا، وإنما الثورة والوحدة هناك، حيث للمقاومة والتضحية ألف معنى ونبل.
محمد علي محسن
ثورة تسقط نظام.. وثورة تقطع الكهرباء 2651