من السذاجة بمكان أن يتم التعامل مع المرحلة الراهنة التي يشهدها اليمن على أساس أنها مرحلة ما بعد صالح أو سقوط نظام صالح، أو حتى الحديث حالياً للتجهيز لمرحلة ما بعد صالح واعتبار المنعطف الخطير الذي انزلقت إليه اليمن المتمثل بالدخول إلى دائرة العنف قبل وبعد تعرض صالح ورموز نظامه لذلك الهجوم الذي نقل على إثره إلى السعودية للعلاج ـ اعتباره نهاية المطاف على أساس أن الثورة السلمية قد حققت أبرز أهدافها.
في اعتقادي أن التعامل مع هذه المرحلة بتلك العناوين سالفة الذكر التي يعيشها الواقع المجتمعي المثقل بالتركيبة السلطوية العائلية الممسكة بزمام المبادرة ـ يعد غباءً سياسياً لا ينسجم وإستراتيجية وأبجدية ثورة شبابية سلمية.. كون إخراج صالح للعلاج لم يكن فعلاً من صنيع الثوار الذين عاهدوا أنفسهم والعالم أجمع على استمرار فعلهم الثوري، كما بدأ فعلاً ثورياً خلاقاً سلمياً ولن ينجروا إلى العنف أو السلاح مهما قدموا من تضحيات، كما أن نقل صالح ومن أصيبوا في التفجير الذي استهدف دار الرئاسة للعلاج لا يعتبر إبعاداً نهائياً، كونه اضطرارياً وبمجرد زوال الأسباب التي جعلت العلاج في الخارج ضرورة سيعود صالح إلى الوطن، ومن يقول بغير هذا الكلام فهو مع احترامي الشديد واهم ويعيش خارج نطاق الواقع اليمني.
في ظل هذا المعطى ذهب شباب الثورة في عديد ساحات أو جلها إلى الاحتفال والرقص على طبول الوهم بما سموه تحقيق أول أهداف الثورة، وأجد نفسي هنا مجبراً على أن أعتبر تلك الاحتفاءات واحدة من مظاهر ضعف ثورة الشباب السلمية ـ هذا ليس تثبيطاً أو محاولة لإحداث بلبلة كما سيذهب القلة لتفسيره بقدر ما هو مكاشفة واقعية ـ فتلك الاحتفالات أظهرت أن شباب الثورة قد خالجهم وساكنهم الملل والإحباط من طول ثورتهم وحاولوا اصطناع فرحة زائفة قد تزول وقت خرج أنصار شرعية نظام العائلة مبندقين وقد رصوا الصفوف من دار الرئاسة إلى مطار صنعاء وقد يكون إلى عدن ـ وهذا وارد جداً من باب الاستعراض والتنصير ـ وعيشوا اليمن أسبوع أو عشرة أيام رعب تزيد عما حدث مساء الثلاثاء الفارط، عشية الفرحة بنجاح عملية الزعيم، أو التي أجريت للزعيم..
من هذا المشهد علينا أن نصارح أنفسنا كشباب ثورة أو كمعارضة متخمة بشحوم فساد النظام، ما الذي سنفعله لمنع صالح من العودة كرئيس للبلاد؟.. لاشيء.. وأخشى حينها أن يخرج علينا قادة المعارضة ويقولون لوسائل الإعلام وافقنا على عودة صالح بعد أن حصلنا على ضمانات بأنه سيغادر بعد أسبوع.. في هذه اللحظة علينا أن ننفجر من الضحك والبكاء في آن، خصوصاً إذا ما سمعنا بأن عودته إلى اليمن تأتي في إطار العلاج النفسي، وتقديراً للحالة الصحية والمرضية للرجل، لذا قبلنا بذلك.. طبعاً سيقابل هذا العمل قيام اللجنة التنظيمية بتجهيز عشرة في كل ساحة يجيدون الخطابة ليتولوا التصريحات في القنوات وعلى المنصات، وتصدر البيانات لتؤكد بأن الشباب في الساحات يدينون تواطؤ أحزاب المشترك، وقد يصل الأمر للاتهام بالانقلاب على الهدف الذي تحقق، ويشددون على أن مواقف المشترك والمعارضة اليمنية لا تعنيهم في شيء وأنهم سيواصلون ثورتهم وسيصعدون من أساليب احتجاجاتهم لإسقاط النظام وهذا من حقهم.
لست هنا أهزأ أو أسخر من الفعل الثوري الخلاق بسلميته ولكن علينا أن نعترف أن ثمة معامل قوة لم تمتلكها ثورتنا بعد لإسقاط النظام وعلينا أن نفتش عنها وإلا لماذا طالت ثورتنا؟ وهنا أؤكد أنه لا حرج في القول أن الشباب بدأوا يملون، فهم ليسوا في سياحة أو دورة تدريبية لتلقي دروس في العمل المدني والدفاع عن الحقوق والحريات واكتساب المهارات في مشارعة النظام على طريقة المعارضة التي تلعب بطرق قديمة جداً لا تؤهلها لبلوغ الدور الأول من مراحل الثورات العربية، ولا تمتلك سوى التعويل على أي موقف خارجي للضغط على النظام، وهذا الأمر يدرك شباب الثورة الذين يتواجدون في الساحات منذ خمسة أشهر تقريباً أنه لا جدوى منه، لأن الخارج ـ غربي أو عربي ـ يعمل وفق مصالحه.
ومن هذا المبدأ فثمة قناعة لدى الولايات المتحدة ودول الخليج والاتحاد الأوروبي بأنهم لن يجدوا نظاماً يسمح لهم بانتهاك سيادة البلاد والعبث بأمنها واستقرارها ونهب ثرواتها مثل النظام الحالي المتهالك.. لذا يجب على شباب الثورة ألا يشغلوا أنفسهم بهرطقات مجلس حكماء أو أمناء أو مجلس انتقالي أو حتى "نقباء" ـ وفق المصطلح والعرف القبلي ـ في ظل الوضع الحالي الذي تعيشه البلد.
شخصياً أعتبر الذهاب إلى مربع الخلاف حول مجلس انتقالي أو حكماء، هروباً من مواجهة الواقع، فنائب رئيس الجمهورية الذي كفل له الدستور حق ممارسة مهام رئيس الجمهورية في هكذا ظروف لم يتسنِ له حتى اليوم دخول دار الرئاسة المنيع أمام الجميع باستثناء صالح ونجله وإخوته وأبناء إخوته، وهؤلاء الأشخاص ذاتهم هم من يمنعون دخول الفريق هادي إلى ذلك الدار الرئاسي، فما بالنا بمجلس انتقالي غير معترف به؟..
لذا فإن الواجب على شباب الثورة وأحزاب المعارضة ـ إن كانت صادقة وخلع قادتها عباءة الخوف ـ التوجه إلى دار الرئاسة والاعتصام هناك، سيما وأن الرئيس غير موجود ولا يوجد خطر عليه في ذلك، أما من يشكلون عائقاً أمام النائب فمواقعهم معروفة ومكاتبهم معروفة، وقد تكون أكثر تحصيناً إن كان لديهم ثمة خوف من شيء.. فإن نجحنا في هذه الخطوة وأوصلنا الأخ النائب إلى ذلك الدار، حينها علينا أن نرفع مطلبنا الأول وهو إزالة تلك العوائق التي حظرت الدار عليه وعلى الشعب، من خلال مواقعهم ونفوذهم، وتعيين بديل عنهم من القادة المحنكين والوطنيين من داخل تلك الوحدات العسكرية وهم كثر..
وبعد ذلك يبدأ الحديث عن نقل السلطة وتشكيل حتى لجنة امتحانات وليس مجلس انتقالي فحسب، وحينها فقط يمكننا أن نفرّح أنفسنا بتحقيق جزئية بسيطة من الهدف الأول لثورة الشباب السلمية المتمثل في إسقاط النظام، لا أن نحتفل بوهم وسراب لكي نصطدم بكابوسه غداً.
أدرك أني قسوت نوعاً ما ولكن الحقيقة جميلة وإن كانت مرة، وحروفي هذه من القلب وأتمنى أن تجد طريقها إلى قلوب وعقول الثوار الأتقياء الأنقياء الذين عاهدوا إخوانهم الشهداء ألا يضيعوا لهم قسماً ولا ذمماً.
إبراهيم مجاهد
الرقص على طبول الوهم!! 2641