أصدقكم بأن ما حدث في الجنوب منذ ما بعد حرب 94م لهو استعباد أسوأ من الاستعمار، فالمحتل الإنكليزي أجده أرحم من اضطهاد وجبروت الشقيق، الأول لم ينهب الأرض أو يقتل النفس بالرصاص الحي جهاراً نهاراً، فيكفي الإشارة إلى أن شهداء ثورة 14أكتوبر 63م وكذا جرحاها لم يصل عددهم ربع الشهداء والجرحى الذين سقطوا في التظاهرات الاحتجاجية السلمية في الجنوب.
الاستعمار لم يتعامل مع سكان البلاد بتلكم الهمجية والوحشية والغطرسة التي رأيناه في الأمس القريب في أكثر من محافظة جنوبية، وصرنا نشاهدها اليوم في صنعاء وتعز والحديدة وغيرها، لم ينتهك الإنكليز ما هو مقدس وديني أو ينشر قواته على هذه الشاكلة المرعبة العابثة بكل شيء.
لا ألوم هذه الأصوات المطالبة بالانفصال واستعادة الدولة الجنوبية، فالنظام لم يبق مجالاً للزهو والتفاؤل إلا وانتهكه ووأده في نفوس الناس ووجدانهم، الثورة الشعبية أظنها الشيء الوحيد الذي أعاد للوحدة شيئاً من الاعتبار والأمل بعد أن ظننا أنه لا تلاقياً.
شخصياًَ مازلت أعتقد أن الوحدة تعرضت لأكبر عملية سطو وقرصنة، فكم من الثورات تم سرقتها من الشعوب؟ شخصياً لم أعثر على الوحدة حتى اللحظة، فالوحدة ليست صنماً من التمر نجبر على عبادته فيما أربابه يأكلونه حينما شاؤوا، الوحدة ليست أرضاً وحدوداً وثروة تنهب وتسلب وإنما هي في المقام الأول الإنسان، الوحدة في الأصل من أجل الشعب المتحد لا العكس، بحيث يموت الشعب من أجلها.
وإذا كانت الثورة الشعبية بمقدورها إسقاط النظام اللاوحدوي؛ فلماذا لا نتحدث عن صياغة جديدة للتوحد بدلاً من متاهة البحث في المجهول؟ تذكروا جيداً أن السياسي المحنك هو من يمتلك المقدرة على فتح الأبواب المغلقة وليس العكس، نعم معاناة أهل الجنوب في ظل اللاوحدة مجتمعية أسوا بكثير من معاناتهم في عهد الانكليز.
ونعم هنالك شعور جمعي بالضيم والإقصاء والاستعباد.. ونعم يوجد هنالك من كفر وجحد بالتوحد ولدرجة مقاومتها ورفضها سلماً أو حرباً، ولكن لا يعني أن هذه المعاناة وهذا الشعور بالحيف سينفي حقيقة أننا شعب واحد وأننا جميعاً في الهم شرق، فهذا النظام أغتال فينا الحلم والأمل والتفاؤل والصدق والطموح والتوحد أيضاً.
أياً كان الفعل وقحاً وفظاً وجائراً، فإن مرتكبه يمنياً ومسلماً، يصعب مواجهته بذات الثورة المسلحة على الاستعمار، فهل يعتقد أحدكم بثمة شبه بين مقاومة استعمار خارجي متحضر وبين استعباد داخلي متخلف؟
لا مقارنة بين الحالتين، فبرغم فظاعة ما يقترفه الشقيق إلا أنه يبقى أخاً خصماً، يصعب اعتباره كعدو خارجي، تذكروا يا قوم أن ثورة أكتوبر قاومت مستعمر بريطاني بينما ثورة اليوم تناهض ما هو أسوأ من الاستعمار في سلوكه، لكنه مع ذلك لا يماثله بكونه من بني جلدتنا وعقيدتنا ولغتنا، فهل أدركتم الفرق؟
محمد علي محسن
كُلنا في الهم شرق 2465