حدثنا مواطن أنه قال: "لقد ظهر في زماننا هذا جماعة ممن تتلمذوا في بلاد الفرنجة واكتسبوا حلاوة حديثهم وحسن عشرتهم وتعاملاتهم فيما بينهم وقد بدي منهم من بدي لسنوات طوال حتى تطبع بطباعهم وصار خبيراً بموائدهم وأطايب طعامهم واعتاد الأكل بالسكينة والشوكة بأريحية تامة وحسن حال وإجادة مضغ، وقد تخالق الكثير منهم بذات الطبائع، فلا يعجبه ما نراه في بلادنا من ضرب (هون) للسيارات وزحامها ومخالفة قواعد النظام ورفع الأصوات وصار الواحد منهم يحسن الإصغاء كما يتقن الحديث، هذا ما كان منهم لدى بلاد أوروبا".
كل ذلك وبلادنا في غفلة وفقر وتخبط لسنوات طوال فيما هؤلاء القوم ينعمون في بلاد الفرنجة بطيب هواء بلادهم وحسن مرافقها وجمال حدائقها وروعة شلالاتها ولديهم فن عظيم يقال له السينما يرتادونه -كل وصديقته- ولا يبدأ النظارة يتابعون إلا حين تنطفئ الأنوار عدا بقعة مستطيلة هي التي تبقى مضاءة، فالإطفاء لديهم متعة في المشاهدة وليس كما هو الحال في بلاد المسلمين، كما هو في اليمن عذاب وآلام، وقد عرفنا "خلق كثير" يرتادون هذين الفنين في ليالي الصيف والشتاء وكل فصل له ما يناسبه من الهواء الذي صنعوه لهم.. وقال القاضي "طفي.. لصي" واعلم هداك الله وجنبك البلاطجة ومن عانهم أن هؤلاء قد انتظموا في أعمالهم وأن بلادهم فرجة للناظرين وطيب الخاطرين ولقد رأيت في هذه البلاد من علّية القوم في اليمن من استوطن لسنوات وطاب له المقام حتى إذا عاد إلى موطنه رأيناه قد تحول عن طباع تعودها إلى أعمال الدهماء وتنكر لبلاده التي لها فضل كبير عليه.
وذهب كل مذهب لاختلاق الأكاذيب وترويجها بين العوام حتى صدق ناس كثير ومعهم صندوق لئيم يقال له "الفضائية اليمنية"، يطمر بها من يستبد به المال ويغريه قول الزور وفي هذا الصندوق ترى العجب العجاب من الدعاء والابتهال لصاحب المكرمات وأسد الملمات وغالب الشريك "علي ابن عبدالله ابن صالح" وقد تبعه أناس لهم مصالح نافقوا في دينهم ودنياهم، فلم يغنهم حلالهم عن حرامهم، فكانوا إذا دخلوا الصندوق شكوا وبكوا وحثوا التراب على رؤوسهم ودعوا بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من خالفوا من يسمونه ولي أمرهم وقالوا فيه الأقاويل ولهم في ذلك فن عظيم منثور ومنظوم يلقونه راجلين وقاعدين، تراهم من عنفوانهم وحماسهم كأنهم سيخرجون إليك من هذا الصندوق وظنهم من ذلك أنك لا تصغي إليهم ولا تنتبه لتعتعاتهم، لذلك ترى في صوتهم قحة شديدة وفي صورتهم تجهم ورفع اليد وخفضها كل ذلك لإقناعك بولي أمرهم أنه البدر في الليلة الظلماء وأنه من كشف الكربة والغمة ولولاه لم نكن نحن ولا هذه البلاد لكثرة من هذا القيل والقال عما يسمونه زين الرجال ظهر هرج ومرج في بلاد اليمن، وكم من قائل أنه معه وهم القليل وآخرون لا يقولون به ويتمنون زواله وهم جموع كثيرة، فالذين يسيرون في طريقه ويتبعون رايته ترى أكثرهم في النهار يحملون عصياً ويظهرون ليلاً بالحارات والأزقة بما يسمونه رشاشات.
قال وحدثنا ابن بلادي: "فأما الذين درسوا في بلاد الفرنجة وكأنهم قضاة أهل تلك البلاد، فقد عادوا وساموا الناس خسفاً، وألحقوا بهم جوراً وظلماً، فتبوأ الواحد منهم مقعد السلطان والزمان..
كلما ثارت ثارة الشعب وتوجه إلى ميادين التغيير وطالب بإصلاح البلاد والعباد ورفض العشوائية والارتجال، رأينا الذين جاءوا من بلاد الفرنجة وقد تنكروا لكل ما هو في البلاد المتمدينة واتجهوا إلى طباع البداوة وهم في ذلك أمثلة عظيمة منها "الليلة الليلى" المحتفى بها باسم الشفاء وإن هداك الله سبيل الرشاد وملأ قلبك بنور اليقين ولا أراك مكروهاً إلا وقيل بأن "علي بن عبدالله بن صالح" قد تماثل في تلك الليلة للشفاء بعد أن أصابه البلاء في الجمعة التي أسماها الأمان، فكان أن خرج في الليل وفي ساعة واحدة جمع من البلاطجة يحتفون بطول اليمن وعرضه عندما جاءتهم أوامر الخروج ممن عادوا من بلاد الفرنجة وكان الاحتفاء يوماً من أيام جهنم، صياح وعويل وانفجارات وإرهاب وترهيب ورصاص طائش وذخيرة من كل نوع، حتى أن الساري في الشارع لا يأمن على نفسه من ارتداد رصاصاتهم وقد مات في تلك "الليلة الليلى" خلق كثير من البلاطجة أنفسهم، فخالف بذلك من تعلموا لدى الفرنجة ما عند المتقدمين من احتفالات في المناسبات الكبيرة ومن طبائعهم الجميلة – هؤلاء الفرنجة- أنهم يوزعون الورود ويقيمون الولائم الفاخرة والموائد العامرة بما لذ وطاب ويقدمون لمن يلاقونه "غطفة" حلاوة يقال لها "شيكلاته" ويغلفون قناني العطور بكثير من الزهور ويهدونها لمن يحبون وقد رأى هؤلاء الذين أمروا البلاطجة بالاحتفاء الهمجي كيف في بلاد الفرنجة، يكون الاحتفاء بالمناسبات العظيمة من الليل بالأغاني حتى الصباح وتبادل القبلات وما أدراك ما الظن بلا ظن أو هم في تلك البلاد أن التي يميلون فيها إلى الابتسامة والصداقة الجميلة.
وما هو أغرب من الغريب أيها القارئ النجيب أن ينسى دين التمدين ممن درسوا في بلاد الفرنجة من أمراء هذه الدولة وسلاطينها تلك الرقة ليتخذوا من الاحتفال فاجعة لكل طفل أو حامل وصار الدوي وإقلاق السكينة والأمن هو المشاع وقد رأيت أحد العلوج من بلاد العجم وهو يهرول مذعوراً ويشد على اثنين ويرفل بكلمات تدل على خبر جديد..
أما البلاطجة، فإنهم قد أشعلوا السماء حريقاً والهواء باروداً وملأوا الأرض غماً وهماً، فلا ترى حارة إلا وقد خرج منها جريح أو مريض ومفجوع، فلا أرانا الله يوماً أسوداً مثل ذلك اليوم ولا رحم الله قوماً تخلقوا بأخلاق الأجلاف وطباع السباع..
قال: واعلم أن الأيام دول، فما هي إلا أيام قليلة من تلك الليلة ويدخل الرجل المتهم إلى موضع يقال له دار الرئاسة وفي مساحات واسعة من مرتع وملعب وصالات عتيقة رياضية وصحية وسباحة وغيرها، حتى أن الداخل لزيارته يمر عليه اليومان والثلاثة، فلا يستطيع أن يقف على مقتنياته من الطرافس الجميلة والتحف الثمينة والطيور النادرة من مختلف البلدان التي لا يعرفها سوى الأمير وحاشيته.
ولعلك قد عرفت الآن أيها القارئ النجيب لماذا بلادنا في لغب شديد وزغب وتعب، فأدعو الله أن يرزقنا العافية ويمن على وطننا بالأمن والأمان والقيل وأن يبدل الظلم والظلام نوراً والسلام ختام.
محمد اللوزي
عن تلامذة في بلدان الفِرنجَة.. 2068