( التقيا فسلم أحدهما على الآخر قائلاً : كيف حالك؟ لم نرك منذ زمن. قال صاحبه: كنت مريضاً طريح الفراش، فقال له: (سلامات) لا بأس طهور إن شاء الله؟!. قال صاحبه: كنت أشكو من مرض كذا ـ وبدأ يذكر شيئاً من معاناته مع المرض ـ قاطعه: عن إذنك إني مستعجل، ثم انصرف والدهشة في وجه صاحبه).
هذه صورة لمظهر من مظاهر أمراضنا الاجتماعية، التي دبت إلى بعض أوساطنا.. وهو اللامبالاة بمشاعر الإخوة، فلا حرج أن لا أسأله عن مرضه ؛ فضلاً عن زيارته حال المرض، ولا حرج أن أقاطع حديثه لأن كلامه غير مفيد، ولا حرج أن لا أستقبله استقبالاً حسناً عند زيارته لي، ولا حرج أن أعتذر إليه عن عدم استقبالي له في المطار؛ فليركب سيارة أجرة؛ فإنها بانتظاره على الأبواب، ولا حرج أن لا أبتسم في وجهه لأن الجدية تتطلب ذلك، ولا حرج ولا حرج وهكذا من اللاءات الرافعة للحرج، لتصبح أمورنا وطقوسنا الاجتماعية شكليات لا روح فيها، بل هي خالية جوفاء من معنى الأخوة الحقيقي الذي رسمه لنا شرعنا.
ثم نزيد الطين بلة عندما نسوغ هذه التصرفات بالجدية تارة، وبالحفاظ على الوقت تارة أخرى، وبالأخوة في الله تارة ثالثة، وبأني أعرف أخي فلن يحمل علي شيئاً رابعة، وخامسة: وماذا يعني لو غضب؟، هل نحن بحاجة إلى عواطف أنثوية؟!، نحن بحاجة إلى نفوس قوية صخرية لا تنظر إلى مثل هذه السفاسف.. وهكذا.
إن ظهور الأخطاء الاجتماعية في بني الإنسان أمر طبيعي لصدوره من نفوس بشرية، أما أن يصبح الخطأ مبرراً؛ بل هو الصواب بعينه فهي الكارثة.
إن المحبة الحقيقية بين المؤمنين التي دعا إليها الشارع الحكيم وندب إليها : " لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا.. " "إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله، فليخبره أنه يحبه لله ".. لنرتفع بمعاملاتنا إلى أسمى درجاتها لنحقق معنى الأخوة التي أرادها الله تعالى ؛ والتي من لوازمها : " وتبسمك في وجه أخيك صدقة " "ولا رآني إلا تبسم" ومن لوازمها : الزيارة بينهما والتناصح ومن لوازمها : حق المسلم على المسلم خمس ـ أو ست ـ زيارته عند مرضه، السلام عليه، إجابة دعوته، تشييع جنازته بعد موته... والتي ذكر العلماء لكل حق منها آداباً يجب أن تراعى، فاستحبوا مثلاً أن يطيل المكث عند المريض إن كان ذلك يؤنسه، وأن تصافحه وأنت مقبل عليه، وأن تظهر له مشاعر الحب والود ـ التي أضحت عيباً في عرف بعض الجاهلين ـ في تعاملك وكلامك معه؛ ونصحك له في انفراد، وعدم إهمال جانب المشاعر بحجة من الحجج، ولتعلم أنك إذا أردت أن تكسب أخاك فعامله بما يناسبه لا بما يناسبك.
إن وجود مثل هذه المظاهر الاجتماعية الراقية ليست بدعاً من القول، بل هي سنة حبيبنا عليه الصلاة والسلام: ألم تكن الجارية تأخذ بيده ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتسير به في طرقات المدينة، ألم يكن ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسلم على الصبيان إذا مر بهم، أما كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صافحه أحد لم يكن يدع يده حتى يدعها صاحبه، أما استمع ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعائشة رضي الله عنها وهي تحكي قصة طويلة كما في حديث أم زرع المشهور، فهل بعد هذا خفاء؟!.
ملاك عبدالله
هل نفتقد إلى الدفء الاجتماعي؟! 2092