على مدار التاريخ كان الشائع عدم الموافقة على العصيان المدني في مجتمع يقوم على النظام والقانون، رغم أن المواطنين في حالات كثيرة مضطرون إلى عدم إطاعة القوانين التي يعدونها غير عادلة، مثل القوانين الخاصة بالتمييز العنصري ويقولون إن مثل هذا الانتهاك للقانون يمكن أن يعد أفضل وسيلة لاختبار مدى دستورية القانون.
ربما سيقول أناس آخرون أنه ليس من الصواب بتاتاً انتهاك أي قانون عن عمد، فيقود ذلك إلى احتقار القوانين الأخرى ويعتقدون أن أية حركة للعصيان المدني تضعف المجتمع ويمكن أن تقود إلى العنف والفوضى، يقر الكثير من الناس العصيان المدني في الحالات القصوى فقط بشرط عدم استخدام العنف وحجتهم في ذلك أن الظلم يمكن معالجته بطريقة شرعية من خلال إجراءات ديمقراطية، فالانتخابات الحرة تعطي الناس الفرصة لاختيار رؤسائهم والتعبير عن وجهة نظرهم وكذلك فان نصوصاً دستورية مختلفة تحمي الحق في الخلاف والاعتراض، لكن الانتخابات النزيهة ربما تجرى في تركيا, اليابان أو بريطانيا، فإن يتم التحضير لانتخابات نظيفة ونزيهة في اليمن فذلك انجاز ضخم للثورة والتي لم تبدأ بعد..
إذن فمن حق الشعوب أن تمارس العصيان ضد أنظمة الفساد والاستبداد لا بل فان تاريخ العصيان المدني قديم جداً، فلقد مارس الناس العصيان المدني على مدى مئات السنين,ويقال إنه حينما أمرت السلطات حواريي عيسى عليه السلام بإيقاف تعليمهم للناس، فأجابوا أن طاعة الله أفضل من طاعة البشر ورفضوا ذلك،وخلال القرن الثالث عشر الميلادي أعلن رجل الدين النصراني(توما الأكويني) أنه يلزم الناس عصيان حكام الأرض حينما تتعارض قوانين الدولة مع قوانين الله.
وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي عرفت بعض الطوائف الدينية بعصيانها المدني وعلى سبيل المثال في المستعمرات الأصلية التي تشكلت منها أمريكا، رفضت طائفة(الكويكرز) دفع الضرائب للأغراض العسكرية وذلك لعدم موافقتهم على الحرب.وخلال أوائل القرن العشرين قادت (اميلين بانكهيرست) في بريطانيا حركة للعصيان المدني من أجل منح المرأة حق الاقتراع للحصول على حقوق انتخاب مساوية للرجل. وكان الكاتب الأمريكي(هنري ثوريو) من أكثر المدافعين عن حق الشعوب في العصيان المدني، فقد دخل السجن لرفضه دفع الضرائب وكانت حجته أنه ليس له ولاء لحكومة تقبض على العبيد الهاربين وتشن حرباً على المكسيك لتوسيع نطاق العبودية وقد كانت لمقالات هذا الكاتب تأثيراً كبيراً على المهاتما غاندي في الهند.
ففي عام 1906م قاد غاندي في جنوب أفريقيا معارضة سلمية دون استخدام العنف للتفرقة العنصرية ضد الآسيويين في (ترانسفال) وبعد ذلك قاد الشعب الهندي وخرجوا في إضرابات ومسيرات احتجاج لتحرير أنفسهم من الحكم البريطاني، فحصلوا على الاستقلال في العام1947م، في الولايات المتحدة الأمريكية وخلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين قام( مارتن لوثركنج) وآخرون من المشتغلين بالحقوق المدنية بمخالفة عن عمد لقوانين الجنوب الخاصة بالفصل العنصري وذلك كوسيلة لمحاربة التفرقة العنصرية، كما قام الكثيرون من المعارضين لحرب فيتنام(1957-1975) بنفس الاحتجاجات في محاولة لتغيير سياسة الولايات المتحدة. وهكذا رغم اختلافات الشعوب لكنها تتفق جميعاً برفضها للظلم والفساد والعبودية ويلجـأ الناس للعصيان المدني لأسباب مختلفة، منها الدينية والسياسية والاجتماعية والحقوقية، بعض الناس ومنهم أنا، يحتاجون لعصيان شخصي يمارسوه مع أنفسهم ربما بعد فترة طويلة من الإجهاد والتعب ويلجأ البعض لفترة عزلة وإغلاق كل نوافذ التواصل مع الآخرين في محاولة لترتيب الأوراق والبدء بنشاط من جديد..
هنا في الحوطة عاصمة لحج الخضيرة نحتاج جميعاً لعصيان مدني شامل ليس لإسقاط النظام الحاكم فقط بل لإسقاط قيود الصمت والسلبية داخلنا, أؤمن أن أوضاع المحافظة بحاجة ماسة لمظاهرات وعصيان مدني لا بل لساحة تغيير وحرية نفترشها جميعا دون استثناء من أجل الاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية والأمنية والصحية التي يرثى لها..وعسى الفرج قريب قولوا، أميين.. Sheema_b88@yahoo.com
شيماء صالح باسيد
تاريخ العصيان المدني 2569